للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهِي لَا تُرَائِي بِهَا وَلَا تَقْصِدُ بِهَا غَرَضًا آخَرَ، أَوْ لِتَكُونَ لِي ذَاكِرًا غَيْرَ نَاسٍ فِعْلَ الْمُخْلِصِينَ فِي جَعْلِهِمْ ذِكْرَ رَبِّهِمْ عَلَى بَالٍ مِنْهُمْ وَتَوْكِيلِ هِمَمِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ بِهِ كَمَا قَالَ لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ «١» أَوْ لِأَوْقَاتِ ذِكْرِي وَهِيَ مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً «٢» وَاللَّامُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «٣» وَقَدْ حُمِلَ عَلَى ذِكْرِ الصَّلَاةِ بَعْدَ نِسْيَانِهَا مِنْ

قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسلام: «من نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» .

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَكَانَ حَقُّ الْعِبَادَةِ أَنْ يُقَالَ لِذِكْرِهَا كَمَا

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ذكرها» .

ومن يتحمل لَهُ يَقُولُ: إِذَا ذَكَرَ الصَّلَاةَ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهَ، أَوْ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ لِذِكْرِ صَلَاتِي أَوْ لِأَنَّ الذِّكْرَ وَالنِّسْيَانَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَقِيقَةِ انْتَهَى.

وَفِي الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ: «فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» قَوْلُهُ «إِذْ لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ» ثُمَّ قَرَأَ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي.

وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ: لِلذِّكْرَى بِلَامِ التَّعْرِيفِ وَأَلِفِ التَّأْنِيثِ، فَالذِّكْرَى بِمَعْنَى التَّذْكِرَةِ أَيْ لِتَذْكِيرِي إِيَّاكَ إِذَا ذَكَّرْتُكَ بَعْدَ نِسْيَانِكَ فَأَقِمْهَا. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ لِذِكْرَى بِأَلِفِ التَّأْنِيثِ بِغَيْرِ لَامِ التَّعْرِيفِ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ: لِلذِّكْرِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ ذَكَرَ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْبَعْثُ وَالْمَعَادُ لِلْجَزَاءِ فَقَالَ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ وَهِيَ الَّتِي يَظْهَرُ عِنْدَهَا مَا عَمِلَهُ الْإِنْسَانُ وَجَزَاءُ ذَلِكَ إِمَّا ثَوَابًا وَإِمَّا عِقَابًا. وَقَرَأَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ أَخْفِيهَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَرُوِيَتْ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَعَاصِمٍ بِمَعْنَى أُظْهِرُهَا أَيْ إِنَّهَا مِنْ صِحَّةِ وُقُوعِهَا وَتَيَقُّنِ كَوْنِهَا تَكَادُ تَظْهَرُ، وَلَكِنْ تَأَخَّرَتْ إِلَى الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ: خَفَيْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَظْهَرْتُهُ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

خَفَاهُنَّ مِنْ إِيقَانِهِنَّ كَأَنَّمَا ... خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلَّبِ

وَقَالَ آخَرُ:

فَإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لَا نُخْفِهِ ... وَإِنْ تُوقِدُوا الْحَرْبَ لَا نَقْعُدِ

وَلَامُ لِتُجْزى عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِأُخْفِيهَا أَيْ أُظْهِرُهَا لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أُخْفِيها بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَهُوَ مُضَارِعُ أَخْفَى بِمَعْنَى سَتَرَ، وَالْهَمْزَةُ هُنَا لِلْإِزَالَةِ أَيْ أَزَلْتُ الْخَفَاءَ وَهُوَ الظُّهُورُ، وَإِذَا أَزَلْتَ الظُّهُورَ صَارَ لِلسِّتْرِ كَقَوْلِكَ: أَعْجَمْتُ الْكِتَابَ أزلت


(١) سورة النور: ٢٤/ ٣٧.
(٢) سورة النساء: ٤/ ١٠٣.
(٣) سورة الإسراء: ١٧/ ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>