عَلَيْهِ فَتَرْدى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى جَوَازِ النَّهْيِ وَأَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا أَيْ فَأَنْتَ تَرَدَّى.
وَقَرَأَ يَحْيَى فَتِرْدَى بِكَسْرِ التَّاءِ.
وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسى هُوَ تَقْرِيرٌ مُضَمَّنُهُ التَّنْبِيهُ، وَجَمَعَ النَّفْسَ لِمَا يُورَدُ عَلَيْهَا وَقَدْ عَلِمَ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ مَا هِيَ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ لِيُرِيَهُ عِظَمَ مَا يَخْتَرِعُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْخَشَبَةِ الْيَابِسَةِ مِنْ قَلْبِهَا حَيَّةً نَضْنَاضَةً، وَيَتَقَرَّرُ فِي نَفْسِهِ الْمُبَايَنَةُ الْبَعِيدَةُ بَيْنَ الْمَقْلُوبِ عَنْهُ وَالْمَقْلُوبِ إِلَيْهِ، وَيُنَبِّهُهُ عَلَى قدرته الباهرة وما استفهام مبتدأ وتِلْكَ خبره وبِيَمِينِكَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَقَوْلِهِ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً «١» وَالْعَامِلُ اسْمُ الْإِشَارَةِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ اسْمًا مَوْصُولًا صِلَتُهُ بِيَمِينِكَ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عَطِيَّةَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِلْبَصْرِيِّينَ وَإِنَّمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ، قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْإِشَارَةِ مَوْصُولًا حَيْثُ يَتَقَدَّرُ بِالْمَوْصُولِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا الَّتِي بِيَمِينِكَ؟ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِي الْمَجْرُورِ مَحْذُوفًا كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا الَّتِي اسْتَقَرَّتْ بِيَمِينِكَ؟ وَفِي هَذَا السُّؤَالِ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ خِطَابِهِ تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتِئْنَاسٌ عَظِيمٌ وَتَشْرِيفٌ كَرِيمٌ.
قالَ هِيَ عَصايَ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْجَحْدَرِيُّ عَصَيَّ بِقَلْبِ الْأَلِفِ يَاءً وَإِدْغَامِهَا فِي يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ عَصَايِ بِكَسْرِ الياء وهي مروية عن ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا وَأَبِي عَمْرٍو مَعًا، وَهَذِهِ الْكَسْرَةُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْجَحْدَرِيِّ عَصَايْ بسكون الياء. أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أَيْ أَتَحَامَلُ عَلَيْهَا فِي الْمَشْيِ وَالْوُقُوفِ، وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي الْجَوَابِ كَمَا
جَاءَ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .
فِي جَوَابِ من سأل أيتوضأ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟
وَكَمَا
جَاءَ فِي جَوَابِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَكَ أَجْرٌ» .
وَحِكْمَةُ زِيَادَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَغْبَتُهُ فِي مُطَاوَلَةِ مُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ تَعَالَى، وَازْدِيَادُ لَذَاذَتِهِ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَأَمْلَى عِتَابًا يُسْتَطَابُ فَلَيْتَنِي ... أَطَلْتُ ذُنُوبًا كَيْ يَطُولَ عِتَابُهُ
وَتَعْدَادُهُ نِعَمَهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِمَا جَعَلَ لَهُ فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ، وتضمنت هذه الزيادة تفضيلا في قوله أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَإِجْمَالًا فِي قَوْلِهِ وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى.
وقيل: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها جَوَابٌ لِسُؤَالٍ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هِيَ عَصايَ قَالَ لَهُ تَعَالَى فَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قال: أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها الْآيَةَ. وَقِيلَ: سَأَلَهُ تَعَالَى عَنْ شَيْئَيْنِ عَنِ الْعَصَا بِقَوْلِهِ وَما تِلْكَ وَبِقَوْلِهِ بِيَمِينِكَ عَمَّا يَمْلِكُهُ، فَأَجَابَهُ عَنْ وَما تِلْكَ؟ بِقَوْلِهِ هِيَ عَصايَ وَعَنْ
(١) سورة هود: ١١/ ٧٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute