للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُخُولٌ لَمْ يَكُنْ خُرُوجٌ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ «١» وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ إِذْ لَا يَتَرَتَّبُ الْخُرُوجُ عَلَى الضَّمِّ وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِخْرَاجِ وَالتَّقْدِيرُ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَنْضَمَّ وَأَخْرِجْهَا تَخْرُجْ فَحَذَفَ مِنَ الْأَوَّلِ وَأَبْقَى مُقَابِلَهُ، وَمِنَ الثَّانِي وَأَبْقَى مُقَابِلَهُ وَهُوَ اضْمُمْ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أَدْخِلْ كَمَا يُبَيَّنُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى.

تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ قِيلَ خَرَجَتْ بَيْضَاءَ تَشِفُّ وَتُضِيءُ كَأَنَّهَا شَمْسٌ، وَكَانَ آدَمَ اللَّوْنِ وَانْتَصَبَ بَيْضاءَ عَلَى الْحَالِ وَالسُّوءُ الرَّدَاءَةُ وَالْقُبْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَكَنَّى بِهِ عَنِ الْبَرَصِ كَمَا كنى عن العورة بالسوأة، وَكَمَا كَنَّوْا عَنْ جَذِيمَةَ وَكَانَ أَبْرَصَ بِالْأَبْرَصِ وَالْبَرَصُ أَبْغَضُ شَيْءٍ إِلَى الْعَرَبِ وَطِبَاعُهُمْ تَنْفِرُ مِنْهُ وَأَسْمَاعُهُمْ تَمُجُّ ذِكْرَهُ فَكَنَّى عَنْهُ. وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ متعلق بيضاء كَأَنَّهُ قَالَ ابْيَضَّتْ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ. وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ لِبَيْضَاءَ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ انْتَهَى. وَيُقَالُ لَهُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَيَانِ الِاحْتِرَاسُ لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بَيْضاءَ لَأَوْهَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَرَصٍ أَوْ بَهَقٍ. وَانْتَصَبَ آيَةً عَلَى الْحَالِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَعْدَادَ الْحَالِ لِذِي حَالٍ وَاحِدٍ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى إِضْمَارِ خُذْ وَدُونَكَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ كَذَا قَالَ، فَأَمَّا تَقْدِيرُ خُذْ فَسَائِغٌ وَأَمَّا دُونَكَ فَلَا يَسُوغُ لِأَنَّهُ اسْمُ فِعْلٍ مِنْ بَابِ الْإِغْرَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْذَفَ النَّائِبُ وَالْمَنُوبُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْرِ مَجْرَاهُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ، وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ وَالْحَوْفِيُّ أَنْ يَكُونَ آيَةً بَدَلًا مِنْ بَيْضاءَ وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي بَيْضاءَ أَيْ تَبْيَضُّ آيَةً. وَقِيلَ مَنْصُوبٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ جَعَلْنَاهَا آيَةً أَوْ آتَيْنَاكَ آيَةً.

وَاللَّامُ فِي لِنُرِيَكَ قَالَ الْحَوْفِيُّ مُتَعَلِّقَةٌ بِاضْمُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِتَخْرُجْ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَحْذُوفِ يَعْنِي الْمُقَدَّرَ جَعَلْنَاهَا أَوْ آتَيْنَاكَ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ آيَةً أَيْ دَلَّلْنَا بِهَا لِنُرِيَكَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِنُرِيَكَ أَيْ خُذْ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا بَعْدَ قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً لِنُرِيَكَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بَعْضَ آياتِنَا الْكُبْرى أَوْ لِنُرِيَكَ بِهِمَا الْكُبْرى مِنْ آياتِنَا أَوْ لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَنَعْنِي أَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ لِنُرِيَكَ الثَّانِي الْكُبْرى أَوْ يَكُونَ مِنْ آياتِنَا فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي. وَتَكُونُ الْكُبْرى صِفَةً لِآيَاتِنَا عَلَى حَدِّ الْأَسْماءُ الْحُسْنى «٢» ومَآرِبُ أُخْرى


(١) سورة النمل: ٢٧/ ١٢.
(٢) سورة الأعراف: ٧/ ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>