للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَّبَ وَتَوَلَّى قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يَا مُوسى قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى.

أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالذَّهَابِ إِلَى فِرْعَوْنَ فَلَمَّا دَعَا رَبَّهُ وَطَلَبَ مِنْهُ أَشْيَاءَ كَانَ فِيهَا أَنْ يُشْرِكَ أَخَاهُ هَارُونَ فَذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ آتَاهُ سُؤْلَهُ وَكَانَ مِنْهُ إِشْرَاكُ أَخِيهِ، فَأَمَرَهُ هنا وأخاه بالذهاب وأَخُوكَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِ فِي فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ «١» فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَقَوْلُ بَعْضِ النُّحَاةِ، أَنَّ وَرَبُّكَ مَرْفُوعٌ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ وَلْيَذْهَبْ رَبُّكَ وَذَلِكَ الْبَحْثُ جَارٍ هُنَا.

وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى هَارُونَ وَهُوَ بِمِصْرَ أَنْ يَتَلَقَّى مُوسَى.

وَقِيلَ: سَمِعَ بِمَقْدَمِهِ. وَقِيلَ: أُلْهِمَ ذَلِكَ وَظَاهِرُ بِآياتِي الْجَمْعُ. فَقِيلَ: هِيَ الْعَصَا، وَالْيَدُ، وَعُقْدَةُ لِسَانِهِ. وَقِيلَ: الْيَدُ، وَالْعَصَا. وَقَدْ يُطْلَقُ الْجَمْعُ عَلَى الْمُثَنَّى وَهُمَا اللَّتَانِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا وَلِذَلِكَ لَمَّا قَالَ: فائت بِآيَةٍ أَلْقَى الْعَصَا وَنَزَعَ الْيَدَ، وَقَالَ: فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ. وَقِيلَ الْعَصَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى آيَاتِ انْقِلَابِهَا حَيَوَانًا، ثُمَّ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ كَانَتْ صَغِيرَةً ثُمَّ عَظُمَتْ حَتَّى صَارَتْ ثُعْبَانًا، ثُمَّ إِدْخَالُ مُوسَى يَدَهُ فِي فَمِهَا فَلَا تَضُرُّهُ. وَقِيلَ: مَا أُعْطِيَ مِنْ مُعْجِزَةٍ وَوَحْيٍ.

وَلا تَنِيا أَيْ لَا تَضْعُفَا وَلَا تَقْصُرَا. وَقِيلَ: تَنْسِيَانِي وَلَا أَزَالُ مِنْكُمَا عَلَى ذِكْرٍ حَيْثُمَا تَقَلَّبْتُمَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالذِّكْرِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ فَإِنَّ الذِّكْرَ يَقَعُ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَتَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ مِنْ أَجَلِّهَا وَأَعْظَمِهَا، فَكَانَ جَدِيرًا أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الذِّكْرِ. وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ: وَلَا تِنِيَا بِكَسْرِ التَّاءِ إِتْبَاعًا لِحَرَكَةِ النُّونِ. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا تَهِنَا أَيْ وَلَا تَلِنَا مِنْ قَوْلِهِمْ هَيِّنٌ لَيِّنٌ، وَلَمَّا حَذَفَ مَنْ يَذْهَبُ إِلَيْهِ فِي الْأَمْرِ قَبْلَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الثَّانِي. فَقِيلَ: اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ أَيْ بِالرِّسَالَةِ وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمَا أُمِرَا بِالذَّهَابِ أَوَّلًا إِلَى النَّاسِ وَثَانِيًا إِلَى فِرْعَوْنَ، فَكَرَّرَ الْأَمْرَ بِالذَّهَابِ لِاخْتِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ، وَنَبَّهَ عَلَى سَبَبِ الذَّهَابِ إِلَيْهِ بِالرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِهِ بِقَوْلِهِ إِنَّهُ طَغى أَيْ تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي الْفَسَادِ وَدَعَوَاهُ الرُّبُوبِيَّةَ وَالْإِلَهِيَّةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

وَالْقَوْلُ اللَّيِّنُ هُوَ مِثْلُ مَا فِي النَّازِعَاتِ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى «٢» وَهَذَا مِنْ لَطِيفِ الْكَلَامِ إِذْ أَبْرَزَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمَشُورَةِ وَالْعَرْضِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَوْزِ الْعَظِيمِ. وَقِيلَ: عَدَّاهُ شَبَابًا لَا يَهْرَمُ بَعْدَهُ وَمُلْكًا لَا يُنْزَعُ مِنْهُ إِلَّا بِالْمَوْتِ وَأَنْ يَبْقَى لَهُ لَذَّةُ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَنْكَحِ إِلَى حِينِ مَوْتِهِ. وَقِيلَ: لَا تُجِبْهَاهُ بِمَا يَكْرَهُ وَأَلْطِفَا لَهُ فِي الْقَوْلِ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ تَرْبِيَةِ مُوسَى. وَقِيلَ: كَنَّيَاهُ وَهُوَ ذُو الْكُنَى الْأَرْبَعِ أَبُو مرة، وأبو


(١) سورة المائدة: ٥/ ٢٤.
(٢) سورة النازعات: ٧٩/ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>