مُصْعَبٍ، وَأَبُو الْوَلِيدِ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ. وَقِيلَ: الْقَوْلُ اللَّيِّنُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِينُهَا خِفَّتُهَا عَلَى اللِّسَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ قَوْلُهُمَا إِنَّ لَكَ رَبًّا وَإِنَّ لَكَ مَعَادًا وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً وَنَارًا فَآمِنْ بالله يدخلك الجنة يقك عَذَابَ النَّارِ. وَقِيلَ: أَمَرَهُمَا تَعَالَى أَنْ يُقَدِّمَا الْمَوَاعِيدَ عَلَى الْوَعِيدِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَقْدِمْ بِالْوَعْدِ قَبْلَ الْوَعِيدِ ... لِيَنْهَى الْقَبَائِلَ جُهَّالُهَا
وَقِيلَ: حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مَا عَرَضَا شَاوَرَ آسِيَةَ فَقَالَتْ:
مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنَّ يَرُدَّ هَذَا فَشَاوَرَ هَامَانَ وَكَانَ لَا يَبُتُّ أَمْرًا دُونَ رَأْيِهِ، فَقَالَ لَهُ: كُنْتُ أَعْتَقِدُ أَنَّكَ ذُو عَقْلٍ تَكُونُ مَالِكًا فَتَصِيرُ مَمْلُوكًا وَرَبًّا فَتَصِيرُ مَرْبُوبًا فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ مَا عَرَضَ عَلَيْهِ مُوسَى، وَالتَّرَجِّي بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا إِذْ هُوَ مُسْتَحِيلٌ وُقُوعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَيِ اذْهَبَا عَلَى رَجَائِكُمَا وَطَمَعِكُمَا وَبَاشِرَا الْأَمْرَ مُبَاشَرَةَ مَنْ يَرْجُو وَيَطْمَعُ أَنْ يُثْمِرَ عَمَلُهُ وَلَا يَخِيبَ سَعْيُهُ، وَفَائِدَةُ إِرْسَالِهِمَا مَعَ عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَإِزَالَةُ الْمَعْذِرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ «١» الْآيَةَ.
وَقِيلَ: الْقَوْلُ اللَّيِّنُ مَا حَكَاهُ اللَّهُ هُنَا وَهُوَ فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ- إِلَى قوله- وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ: قَوْلًا لَيِّناً وَقَالَ الْفَرَّاءُ لَعَلَّ هُنَا بِمَعْنَى كَيْ أَيْ كَيْ يَتَذَكَّرَ أَوْ يَخْشَى كَمَا تَقُولُ: اعْمَلْ لَعَلَّكَ تَأْخُذُ أَجْرَكَ، أَيْ كَيْ تَأْخُذَ أَجْرَكَ. وَقِيلَ:
لَعَلَّ هُنَا اسْتِفْهَامٌ أَيْ هَلْ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا مِنَ التَّرَجِّي وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَشَرِ وَفِي قَوْلِهِ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِي اللَّهِ.
وَقِيلَ: يَتَذَكَّرُ حَالَهُ حِينَ احْتُبِسَ النِّيلُ فَسَارَ إِلَى شَاطِئِهِ وَأَبْعَدَ وَخَرَّ سَاجِدًا لِلَّهِ رَاغِبًا أَنْ لَا يُخْجِلَهُ ثُمَّ رَكِبَ فَأَخَذَ النِّيلُ يَتْبَعُ حَافِرَ فَرَسِهِ فَرَجَا أَنْ يَتَذَكَّرَ حِلْمَ اللَّهِ وَكَرَمَهُ وَأَنْ يَحْذَرَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ يَتَذَكَّرُ وَيَتَأَمَّلُ فَيَبْذُلُ النَّصَفَةَ مِنْ نَفْسِهِ وَالْإِذْعَانَ لِلْحَقِّ أَوْ يَخْشى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَمَا يَصِفَانِ فَيَجُرُّهُ إِنْكَارُهُ إِلَى الْهَلَكَةِ.
فَرَطَ سَبَقَ وَتَقَدَّمَ وَمِنْهُ الْفَارِطُ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الْوَارِدَةَ وَفَرَسٌ فَرْطٌ تَسْبِقُ الْخَيْلَ انْتَهَى.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتِنَا ... كَمَا تَقَدَّمَ فَارِطُ الْوُرَّادِ
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» .
أَيْ مُتَقَدِّمُكُمْ وَسَابِقُكُمْ، وَالْمَعْنَى إِنَّنَا
(١) سورة طه: ٢٠/ ١٣٤.