للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَخَافُ أَنْ يُعَجَّلَ عَلَيْنَا بِالْعُقُوبَةِ وَيُبَادِرَنَا بِهَا. وَقَرَأَ يَحْيَى وَأَبُو نَوْفَلٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ فِي رِوَايَتِهِ أَنْ يَفْرُطَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُسْبَقَ فِي الْعُقُوبَةِ وَيُسْرَعَ بِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِفْرَاطِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ فِي الْعُقُوبَةِ خَافَا أَنْ يَحْمِلَهُ حَامِلٌ عَلَى الْمُعَاجَلَةِ بِالْعَذَابِ مِنْ شَيْطَانٍ، أَوْ مِنْ جَبَرُوتِهِ وَاسْتِكْبَارِهِ وَادِّعَائِهِ الرُّبُوبِيَّةَ، أَوْ مِنْ حُبِّهِ الرِّيَاسَةَ، أَوْ مِنْ قَوْمِهِ الْقِبْطِ الْمُتَمَرِّدِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ «١» وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ «٢» .

وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ وَالزَّعْفَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ يَفْرُطَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنَ الْإِفْرَاطِ فِي الْأَذِيَّةِ أَوْ أَنْ يَطْغى فِي التَّخَطِّي إِلَى أَنْ يَقُولَ فِيكَ مَا لَا يَنْبَغِي تَجْرِئَةً عَلَيْكَ وَقَسْوَةَ قَلْبِهِ، وَفِي الْمَجِيءِ بِهِ هَكَذَا عَلَى سَبِيلِ الْإِطْلَاقِ وَالرَّمْزِ بَابٌ مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ وَالتَّجَافِي عَنِ التَّفَوُّهِ بِالْعَظِيمَةِ.

وَالْمَعِيَّةُ هُنَا بِالنُّصْرَةِ وَالْعَوْنِ أَسْمَعُ أَقْوَالَكُمَا وَأَرَى أَفْعَالَكُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْمَعُ جَوَابَهُ لَكُمَا وأَرى مَا يَفْعَلُ بِكُمَا وَهُمَا كِنَايَةٌ عَنِ الْعِلْمِ فَأْتِياهُ كَرَّرَ الْأَمْرَ بِالْإِتْيَانِ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ وَخَاطَبَاهُ بِقَوْلِهِمَا رَبِّكَ تَحْقِيرًا لَهُ وَإِعْلَامًا أَنَّهُ مَرْبُوبٌ مَمْلُوكٌ إِذْ كَانَ هُوَ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ. وَأُمِرَا بِدَعْوَتِهِ إِلَى أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيُخْرِجَهُمْ مِنْ ذُلِّ خِدْمَةِ الْقِبْطِ وَكَانُوا يُعَذِّبُونَهُمْ بِتَكْلِيفِ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ مِنَ الْحَفْرِ وَالْبِنَاءِ وَنَقْلِ الْحِجَارَةِ وَالسُّخْرَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَعَ قَتْلِ الْوِلْدَانِ وَاسْتِخْدَامِ النِّسَاءِ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ دُعَاؤُهُ إِلَى الْإِيمَانِ فَجُمْلَةُ ما دعا إِلَيْهِ فِرْعَوْنُ الْإِيمَانُ وَإِرْسَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

ثُمَّ ذَكَرَا مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمَا فِي إِرْسَالِهِمَا إِلَيْهِ فَقَالَا قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَتَكَرَّرَ أَيْضًا قَوْلُهُمَا مِنْ رَبِّكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ بِأَنَّهُ مَرْبُوبٌ مَقْهُورٌ، وَالْآيَةُ الَّتِي أَحَالَا عَلَيْهَا هِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ، وَلَمَّا كَانَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي الرِّسَالَةِ صَحَّ نِسْبَةُ الْمَجِيءِ بِالْآيَةِ إِلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَتْ صَادِرَةً مِنْ أَحَدِهِمَا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ جَارِيَةٌ مِنَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ مَجْرَى الْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ، لِأَنَّ دَعْوَى الرِّسَالَةِ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِبَيِّنَتِهَا الَّتِي هِيَ الْمَجِيءُ بِالْآيَةِ، وَإِنَّمَا وَحَّدَ بِآيَةٍ وَلَمْ يُثَنِّ وَمَعَهُ آيَتَانِ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَثْبِيتُ الدَّعْوَى بِبُرْهَانِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: قَدْ جِئْنَاكَ بِمُعْجِزَةٍ وَبُرْهَانٍ وَحُجَّةٍ عَلَى مَا ادَّعَيْنَاهُ مِنَ الرِّسَالَةِ وَكَذَلِكَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ «٣» فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ «٤»


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٠٩ و ١٢٧.
(٢) سورة المؤمنون: ٢٣/ ٣٣.
(٣) سورة الأعراف: ٧/ ١٠٥. [.....]
(٤) سورة الشعراء: ٢٦/ ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>