للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ: حَصِيداً أَيْ بِالْعَذَابِ تُرِكُوا كَالْحَصِيدِ خامِدِينَ أَيْ مَوْتَى دُونَ أَرْوَاحٍ مُشَبَّهِينَ بالنار إذا طفئت وحَصِيداً مَفْعُولٌ ثَانٍ. قَالَ الْحَوْفِيُّ: وخامِدِينَ نعت لحصيدا عَلَى أَنْ يَكُونَ حَصِيداً بِمَعْنَى مَحْصُودِينَ يَعْنِي وَضْعَ الْمُفْرَدِ وَيُرَادُ بِهِ الْجَمْعُ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ خامِدِينَ حَالًا مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جَعَلْناهُمْ مِثْلَ الْحَصِيدِ شَبَّهَهُمْ فِي اسْتِئْصَالِهِمْ وَاصْطِلَامِهِمْ كَمَا تَقُولُ: جَعَلْنَاهُمْ رَمَادًا أَيْ مِثْلَ الرَّمَادِ، وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ هُوَ الَّذِي كَانَ مُبْتَدَأً وَالْمَنْصُوبَانِ بَعْدَهُ كَانَا خَبَرَينِ لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِمَا جَعَلَ نَصْبَهُمَا جَمِيعًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ. فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَنْصِبُ جَعَلَ ثَلَاثَةَ مَفَاعِيلَ؟

قُلْتُ: حُكْمُ الِاثْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ حُكْمُ الْوَاحِدِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِكَ: جَعَلْتُهُ حُلْوًا حَامِضًا جَعَلْتُهُ لِلطَّعْمَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى ذَلِكَ جَعَلْناهُمْ جَامِعِينَ لِمُمَاثَلَةِ الْحَصِيدِ وَالْخُمُودِ، وَالْخُمُودُ عُطِفَ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ لَا عَلَى الْحَصِيدِ انْتَهَى.

وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى قَصْمَ تِلْكَ الْقُرَى الظَّالِمَةِ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنْهُ وَمُجَازَاةً عَلَى مَا فَعَلُوا وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَنْشَأَ هَذَا الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ الْمُحْتَوِيَ عَلَى عَجَائِبَ مِنْ صُنْعِهِ وَغَرَائِبَ مِنْ فِعْلِهِ، وَهَذَا الْعَالَمَ السُّفْلِيَّ وَمَا أَوْدَعَ فِيهِ مِنْ عَجَائِبِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْهَوَاءِ وَالسَّحَابِ وَالرِّيَاحِ عَلَى سَبِيلِ اللَّعِبِ بَلْ لِفَوَائِدَ دِينِيَّةٍ تَقْضِي بِسَعَادَةِ الْأَبَدِ أَوْ بِشَقَاوَتِهِ، وَدُنْيَاوِيَّةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى كَقَوْلِهِ وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا «١» وَقَوْلِهِ مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ «٢» .

قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: اللَّعِبُ فِعْلٌ يَدْعُو إِلَيْهِ الْجَهْلُ يَرُوقُ أَوَّلُهُ وَلَا ثَبَاتَ لَهُ، وَإِنَّمَا خَلَقْنَاهُمَا لِنُجِازِيَ الْمُحْسِنَ وَالْمُسِيءَ، وَلِيُسْتَدَلَّ بِهِمَا عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ انتهى. ولَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً أَصْلُ اللَّهْوِ مَا تُسْرِعُ إِلَيْهِ الشَّهْوَةُ وَيَدْعُو إِلَيْهِ الْهَوَى، وَقَدْ يُكَنَّى بِهِ عَنِ الْجِمَاعِ، وَأَمَّا هُنَا فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ هُوَ الْوَلَدُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هو الولد بلغة حضر موت. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً «٣» وَعَنْهُ أَنَّ اللَّهْوَ هُنَا اللَّعِبُ. وَقِيلَ:

اللَّهْوُ هُنَا الْمَرْأَةُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا فِي لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَتَكُونُ رَدًّا عَلَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ لِلَّهِ زَوْجَةً وَمَعْنَى مِنْ لَدُنَّا مِنْ عِنْدِنَا بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فَسَتْرُهُ أَوْلَى. وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنَ السَّمَاءِ لَا مِنَ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: مِنَ الْحُورِ الْعِينِ. وَقِيلَ: مِنْ جِهَةِ قُدْرَتِنَا.

وَقِيلَ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا مِنَ الْإِنْسِ رَدًّا لولادة المسيح وعزيز. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَيَّنَ أَنَّ


(١) سورة ص: ٣٨/ ٢٧.
(٢) سورة الدخان: ٤٤/ ٣٩. [.....]
(٣) سورة البقرة: ٢/ ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>