للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّبَبَ فِي تَرْكِ اتِّخَاذِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَانْتِفَائِهِ عَنْ أَفْعَالِي أَنَّ الْحِكْمَةَ صَارِفَةٌ عَنْهُ، وَإِلَّا فَأَنَا قَادِرٌ عَلَى اتِّخَاذِهِ إِنْ كُنْتُ فَاعِلًا لِأَنِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ انْتَهَى. وَلَا يَجِيءُ هَذَا إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: اللَّهْوُ هُوَ اللَّعِبُ، وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِالْوَلَدِ وَالْمَرْأَةِ فَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَنْ هُنَا شَرْطِيَّةٌ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ جَوَابُ لَوْ أَيْ إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ اتَّخَذْنَاهُ إِنْ كُنَّا مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَسْنَا مِمَّنْ يَفْعَلُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَقَتَادَةُ وَجُرَيْجٌ أَنْ نَافِيَةٌ أَيْ مَا كُنَّا فَاعِلِينَ.

بَلْ نَقْذِفُ أَيْ نَرْمِي بِسُرْعَةٍ بِالْحَقِّ وَهُوَ الْقُرْآنُ عَلَى الْباطِلِ وَهُوَ الشَّيْطَانُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ كُلُّ ما في القرآن من الْبَاطِلِ فَهُوَ الشَّيْطَانُ. وَقِيلَ: بِالْحَقِّ بِالْحُجَّةِ عَلَى الْبَاطِلِ وَهُوَ شُبَهُهُمْ وَوَصْفَهُمُ اللَّهَ بِغَيْرِ صِفَاتِهِ مِنَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْحَقُّ عَامٌّ فِي الْقُرْآنِ وَالرِّسَالَةِ وَالشَّرْعِ، وَالْبَاطِلُ أَيْضًا عَامٌّ كَذَلِكَ وبَلْ إِضْرَابٌ عَنِ اتِّخَاذِ اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَدْحَضُ الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ وَاسْتَعَارَ لِذَلِكَ الْقَذْفَ وَالدَّمْغَ تَصْوِيرًا لِإِبْطَالِهِ وَإِهْدَارِهِ وَمَحْقِهِ، فَجَعَلَهُ كَأَنَّهُ جُرْمٌ صُلْبٌ كَالصَّخْرَةِ مَثَلًا قَذَفَ بِهِ عَلَى جُرْمٍ رَخْوٍ أَجْوَفَ فَدَمَغَهُ أَيْ أَصَابَ دِمَاغَهُ، وَذَلِكَ مُهْلِكٌ فِي الْبَشَرِ فَكَذَلِكَ الْحَقُّ يُهْلِكُ الْبَاطِلَ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ فَيَدْمَغُهُ بِنَصْبِ الْغَيْنِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهُوَ فِي ضَعْفِ قَوْلِهِ:

سَأَتْرُكُ مَنْزِلِي لِبَنِي تَمِيمٍ ... وَأَلْحَقُ بالحجاز فأستريحا

وقرىء فَيَدْمَغُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ انْتَهَى. ولَكُمُ الْوَيْلُ خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ أَيِ الْخِزْيُ وَالْهَمُّ مِمَّا تَصِفُونَ أَيْ تَصِفُونَهُ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ تَعَالَى مِنَ اتِّخَاذِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَنِسْبَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ إِلَيْهِ. وَقِيلَ لَكُمُ خِطَابٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِتَكْذِيبِ الرُّسُلِ وَنَسَبَ الْقُرْآنَ إِلَى أَنَّهُ سِحْرٌ وَأَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ مِمَّا تَصِفُونَ وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ الْتِفَاتٌ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ فِي فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ إِلَى ضَمِيرِ الْخِطَابِ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَنْ في السموات وَالْأَرْضِ مِلْكٌ لَهُ فَانْدَرَجَ فِيهِ مَنْ سَمَّوْهُ بِالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَمَنْ عِنْدَهُ هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَنْ فَيَكُونُونَ قدر انْدَرَجُوا فِي الْمَلَائِكَةِ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ لِدُخُولِهِمْ فِي مَنْ وَبِطَرِيقِ الْخُصُوصِ بِالنَّصِّ عَلَى أَنَّهُمْ مَنْ عِنْدَهُ، وَيَكُونُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً مِنْهُمْ أَوِ اسْتِئْنَافَ إِخْبَارٍ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ وَمَنْ عِنْدَهُ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وعند هُنَا لَا يُرَادُ بِهَا ظَرْفُ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَكَانِ، بَلِ الْمَعْنَى شَرَفُ الْمَكَانَةِ وَعُلُوُّ الْمَنْزِلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ بِأَنَّ جَمِيعَ الْعَالَمِ مِلْكُهُ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لِقَوْلِهِ وَلَكُمُ الْوَيْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>