مِمَّا تَصِفُونَ كَأَنَّهُ يُقْسِمُ الْأَمْرَ فِي نَفْسِهِ أَيْ للمتخلفين هَذِهِ الْمَقَالَةَ الْوَيْلُ، وَلِلَّهِ تعالى من في السموات وَالْأَرْضِ انْتَهَى.
وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُكَرَّمُونَ مُنَزَّلُونَ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ مَنْزِلَةَ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَ الْمُلُوكِ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِ وَالْبَيَانِ لِشَرَفِهِمْ وَفَضْلِهِمْ، وَيُقَالُ: حَسَرَ الْبَعِيرُ وَاسْتَحْسَرَ كَلَّ وَتَعِبَ وَحَسَرْتُهُ أَنَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَلَازِمٌ، وَأَحْسَرْتُهُ أَيْضًا، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامُهَا ... فَبِيضٌ وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الِاسْتِحْسَارُ مُبَالَغَةٌ فِي الْحُسُورِ، وَكَانَ الْأَبْلَغُ فِي وَصْفِهِمْ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُمْ أَدْنَى الْحُسُورِ قُلْتُ: فِي الِاسْتِحْسَارِ بَيَانُ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ يُوجِبُ غَايَةَ الْحُسُورِ وأقصاه، وأنهم أخفاء لِتِلْكَ الْعِبَادَاتِ الْبَاهِظَةِ بِأَنْ يَسْتَحْسِرُوا فِيمَا يَفْعَلُونَ انْتَهَى.
يُسَبِّحُونَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَصَفَهُمْ بِتَسْبِيحٍ دَائِمٍ. وَعَنْ كَعْبٍ: جَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ التَّسْبِيحَ كَالنَّفَسِ وَطَرْفِ الْعَيْنِ لِلْبَشَرِ يَقَعُ مِنْهُمْ دَائِمًا دُونَ أَنْ يَلْحَقَهُمْ فِيهِ سَآمَةٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنِّي لَأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ رَاحَةٍ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ.
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ.
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الدَّلَائِلَ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَأَنَّ مَنْ فِي السموات وَالْأَرْضِ كُلَّهُمْ مِلْكٌ لَهُ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُكَرَّمِينَ هُمْ فِي خِدْمَتِهِ لَا يَفْتُرُونَ عَنْ تَسْبِيحِهِ وَعِبَادَتِهِ، عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ تَوْبِيخِ الْمُشْرِكِينَ وَذَمِّهِمْ وتسفيه أحلامهم وأَمِ هنا منقطعة تتقدر ببل والهمزة فَفِيهَا إِضْرَابٌ وَانْتِقَالٌ مِنْ خَبَرٍ إِلَى خَبَرٍ، وَاسْتِفْهَامٌ معناه التعجب والإنكار أي اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ يَتَّصِفُونَ بِالْإِحْيَاءِ وَيَقْدِرُونَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْإِمَاتَةِ، أَيْ لَمْ يَتَّخِذُوا آلِهَةً بِهَذَا الْوَصْفِ بَلِ اتَّخَذُوا آلِهَةً جَمَادًا لَا يَتَّصِفُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى شَيْءٍ فَهِيَ غَيْرُ آلِهَةٍ لِأَنَّ مِنْ صِفَةِ الْإِلَهِ الْقُدْرَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute