للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ أَيْ: وَإِذَا انْفَرَدَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، أَيِ الَّذِينَ لَمْ يُنَافِقُوا إِلَى مَنْ نَافَقَ. وَإِلَى، قِيلَ: بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، وَالْأَجْوَدُ أن يضمن خَلَا مَعْنَى فِعْلٍ يُعَدَّى بِإِلَى، أَيِ انْضَوَى إِلَى بَعْضٍ، أَوِ اسْتَكَانَ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، لِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَفْعَالِ أَوْلَى مِنْ تَضْمِينِ الْحُرُوفِ. قالُوا: أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضُ الْخَالِي بِبَعْضِهِمْ.

أَتُحَدِّثُونَهُمْ: أَيْ قَالُوا عَاتِبِينَ عَلَيْهِمْ، أَتُحَدِّثُونَ الْمُؤْمِنِينَ؟ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ: وَمَا مَوْصُولَةٌ، وَالضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَيْهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: بِمَا فَتَحَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. وَقَدْ جَوَّزُوا فِي مَا أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً، أَيْ بِفَتْحِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. وَالْأَوْلَى الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَالَّذِي حَدَّثُوا بِهِ هُوَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَقَتَادَةُ، أَوْ مَا عَذَّبَ بِهِ أَسْلَافَهُمْ، قَالَهُ السُّدِّيُّ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ: «يَا إِخْوَةَ الْخَنَازِيرِ وَالْقِرَدَةِ» .

فَقَالَ الْأَحْبَارُ لِأَتْبَاعِهِمْ: مَا عَرَفَ هَذَا إِلَّا مِنْ عِنْدِكُمْ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانُوا إِذَا سُئِلُوا عَنْ شَيْءٍ قَالُوا: فِي التَّوْرَاةِ كَذَا وَكَذَا، فَكَرِهَ ذَلِكَ أَحْبَارُهُمْ، وَنَهَوْا فِي الْخُلْوَةِ عَنْهُ. فَعَلَى مَا قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ يَكُونُ الْفَتْحُ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ وَالْإِذْكَارِ، أَيْ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا أَعْلَمَكُمُ اللَّهُ مِنْ صِفَةِ نَبِيِّهِمْ؟ وَرَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَلَى قَوْلِ السُّدِّيِّ: يَكُونُ بمعنى الحكم وَالْقَضَاءِ، أَيْ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَسْلَافِكُمْ وَقَضَاهُ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ؟ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ يَكُونُ بِمَعْنَى: الْإِنْزَالِ، أَيْ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي التَّوْرَاةِ؟ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَعْنَى بِمَا قَضَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَعْنَى الْإِنْزَالِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى بِمَا بَيَّنَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وصفته، وَشَرِيعَتِهِ، وَمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ، وَأَخْذِ الْعُهُودِ عَلَى أَنْبِيَائِكُمْ بِتَصْدِيقِهِ وَنُصْرَتِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى بِمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ النَّصْرِ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَمِنْ تَأْوِيلِ كِتَابِكُمْ.

لِيُحَاجُّوكُمْ: هَذِهِ لَامُ كَيْ، وَالنَّصْبُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَهَا، وَهِيَ جَائِزَةُ الْإِضْمَارِ، إِلَّا إِنْ جَاءَ بَعْدَهَا لَا، فَيَجِبُ إِظْهَارُهَا. وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: أَتُحَدِّثُونَهُمْ، فَهِيَ لَامُ جَرٍّ، وَتُسَمَّى لَامَ كَيْ، بِمَعْنَى أَنَّهَا لِلسَّبَبِ، كَمَا أَنَّ كَيْ لِلسَّبَبِ. وَلَا يَعْنُونَ أَنَّ النَّصْبَ بَعْدَهَا بِإِضْمَارِ كَيْ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ التَّصْرِيحُ بَعْدَهَا بِكَيْ، فَتَقُولَ: لِكَيْ أُكْرِمَكَ، لِأَنَّ الَّذِي يُضْمَرُ إِنَّمَا هُوَ: أَنْ لَا: كَيْ، وَقَدْ أَجَازَ ابْنُ كَيْسَانَ وَالسِّيرَافِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمُضْمَرُ بَعْدَ هَذِهِ اللَّامِ كَيْ، أَوْ أَنْ. وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ النَّصْبَ بَعْدَ هَذِهِ اللَّامِ إِنَّمَا هُوَ بِهَا نَفْسِهَا، وَأَنَّ مَا يَظْهَرُ بَعْدَهَا مِنْ كَيْ وَأَنْ، إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ. وَتَحْرِيرُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي مَبْسُوطَاتِ النَّحْوِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُعْرِبِينَ إِلَى أَنَّ اللَّامَ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: فَتَحَ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>