للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمْ عَلَيْكُمْ؟ أَفَلَا تَعْقِلُونَ فَلَا تُحَدِّثُونَهُمْ بِذَلِكَ؟ وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ لَا يُؤْمِنُونَ، وَهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ، مِنِ اتِّبَاعِ أَسْلَافِهِمُ الْمُحَرِّفِينَ كَلَامَ اللَّهِ، وَالتَّقْلِيدِ لَهُمْ فِيمَا حَرَّفُوهُ، وَتَظَاهُرِهِمْ بِالنِّفَاقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَعَى عَلَيْهِمُ ارْتِكَابَهُ؟.

أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ: هَذَا تَوْبِيخٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ، أَيْ إِذَا كَانَ عِلْمُ اللَّهِ مُحِيطًا بِجَمِيعِ أَفْعَالِهِمْ، وَهُمْ عَالِمُونَ بِذَلِكَ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُمْ أَنْ يُنَافِقُوا وَيَتَظَاهَرُوا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُمْ خِلَافَهُ، فَلَا يُجَامِعُ حَالَةَ نِفَاقِهِمْ بِحَالَةِ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِذَلِكَ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ عَلَى الْعُمُومِ، إِذْ هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. وَقِيلَ الَّذِي أَسَرُّوهُ الْكُفْرُ، وَالَّذِي أَعْلَنُوهُ الْإِيمَانُ. وَقِيلَ: الْعَدَاوَةُ وَالصَّدَاقَةُ. وَقِيلَ: قَوْلُهُمْ لِشَيَاطِينِهِمْ إِنَّا مَعَكُمْ، وَقَوْلُهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ آمَنَّا. وَقِيلَ: صِفَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَغْيِيرُ صِفَتِهِ إِلَى صِفَةٍ أُخْرَى، حَتَّى لَا تَقُومَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ. وَقَرَأَ ابْنُ محيصن: أو لا تَعْلَمُونَ بِالتَّاءِ، قَالُوا: فَيَكُونُ ذَلِكَ خِطَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى جَهْلِهِمْ بِعَالِمِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لَهُمْ، وَفَائِدَتُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى سَمَاعِ مَا يَأْتِي بَعْدَهُ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْ خِطَابِهِمْ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى الْغَيْبَةِ، إِهْمَالًا لَهُمْ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ، وَيَكُونُ حِكْمَتُهُ فِي الْحَالَتَيْنِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ مِثْلَ أَفَلا تَعْقِلُونَ، أَوَلا يَعْلَمُونَ، أَنَّ الْفَاءَ وَالْوَاوَ فِيهِمَا لِلْعَطْفِ، وَأَنَّ أَصْلَهُمَا أَنْ يَكُونَا أَوَّلَ الْكَلَامِ، لَكِنَّهُ اعْتَنَى بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، فَقُدِّمَتْ. وَذَكَرْنَا طَرِيقَةَ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي ذَلِكَ، فَأَغْنَى عَنْ إعادته. وأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا سَدَّتْ فِيهِ أَنَّ مَسَدَّ الْمُفْرَدِ، إِذَا قُلْنَا: إِنَّ يَعْلَمُونَ مُتَعَدٍّ إِلَى وَاحِدٍ كَعَرَفَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا سَدَّتْ فِيهِ أَنَّ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ، إِذَا قُلْنَا: إِنَّ يَعْلَمُونَ مُتَعَدٍّ إِلَى اثْنَيْنِ، كَظَنَنْتُ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ. وَأَمَّا الْأَخْفَشُ، فَإِنَّهَا تَسُدُّ عِنْدَهُ مَسَدَّ مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَيَجْعَلُ الثَّانِيَ مَحْذُوفًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا ذِكْرُ هَذَا الْخِلَافِ، وَالْعَائِدُ عَلَى مَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: يُسِرُّونَهُ وَيُعْلِنُونَهُ. وَظَاهِرُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ أَنَّهُ تَقْرِيرٌ لَهُمْ أَنَّهُمْ عَالِمُونَ بِذَلِكَ، أَيْ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْعَلَانِيَةَ، أَيْ قَدْ عَلِمُوا ذَلِكَ، فَلَا يُنَاسِبُهُمُ النِّفَاقُ وَالتَّكْذِيبُ بِمَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ. وَقِيلَ:

ذَلِكَ تَقْرِيعٌ لَهُمْ وَحَثٌّ عَلَى التَّفَكُّرِ، فَيَعْلَمُونَ بِالتَّفَكُّرِ ذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا اعْتَرَفُوا بِصِحَّةِ التَّوْرَاةِ، وَفِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَزِمَهُمُ الِاعْتِرَافُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْصِيَةَ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِهَا، أَقْبَحُ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُغْضِي عَنِ الْمُنَافِقِينَ، مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>