للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَحْمَةَ رَبِّهِ «١» وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى زَكَرِيَّا وزَوْجَهُ وَابْنَهُمَا يَحْيَى. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ يَدْعُونَا حُذِفَتْ نُونُ الرَّفْعِ وَطَلْحَةُ بِنُونٍ مُشَدَّدَةٍ أَدْغَمَ نُونَ الرَّفْعِ فِي نَا ضَمِيرِ النَّصْبِ. وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَوَهْبُ بْنُ عَمْرٍو وَالنَّحْوِيُّ وَهَارُونُ وَأَبُو مَعْمَرٍ وَالْأَصْمَعِيُّ وَاللُّؤْلُؤِيُّ وَيُونُسُ وَأَبُو زَيْدٍ سَبْعَتُهُمْ عَنْ أبي عمر ورَغَباً وَرَهَباً بِالْفَتْحِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ، وَالْأَشْهُرُ عَنِ الْأَعْمَشِ بِضَمَّتَيْنِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ فِرْقَةٌ: بِضَمِّ الراءَيْنِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَالْهَاءِ، وَانْتَصَبَ رَغَباً وَرَهَباً عَلَى أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَوْ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ.

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها هِيَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ أُمِّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَرْجَ هُنَا حَيَاءُ الْمَرْأَةِ أَحْصَنَتْهُ أَي مَنَعَتْهُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَمَا قَالَتْ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا

«٢» . وَقِيلَ: الْفَرْجُ هُنَا جَيْبُ قَمِيصِهَا مَنَعَتْهُ مِنْ جِبْرِيلَ لَمَّا قَرُبَ مِنْهَا لِيَنْفُخَ حَيْثُ لَمْ يَعْرِفْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا كِنَايَةٌ عَنْ إِيجَادِ عِيسَى حَيًّا فِي بَطْنِهَا، وَلَا نَفْخَ هُنَاكَ حَقِيقَةً، وَأَضَافَ الرُّوحَ إِلَيْهِ تَعَالَى عَلَى جِهَةِ التَّشْرِيفِ. وَقِيلَ: هُنَاكَ نَفْخٌ حَقِيقَةً وَهُوَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا وَأَسْنَدَ النَّفْخَ إِلَيْهِ تَعَالَى لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ جِبْرِيلَ بِأَمْرِهِ تَعَالَى تَشْرِيفًا. وَقِيلَ: الرُّوحُ هُنَا جِبْرِيلُ كَمَا قَالَ فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها

«٣» وَالْمَعْنَى فَنَفَخْنا فِيها مِنْ جِهَةِ جِبْرِيلَ وَكَانَ جِبْرِيلُ قَدْ نَفَخَ مِنْ جَيْبِ دِرْعِهَا فَوَصَلَ النَّفْخُ إِلَى جَوْفِهَا.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: نَفْخُ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ عِبَارَةٌ عَنْ إِحْيَائِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي «٤» أَيْ أَحْيَيْتُهُ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ وفَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا ظَاهِرُ الْإِشْكَالِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إِحْيَاءِ مَرْيَمَ. قُلْتُ: مَعْنَاهُ نَفَخْنَا الرُّوحَ فِي عِيسَى فِيهَا أَيْ أَحْيَيْنَاهُ فِي جَوْفِهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الزَّمَّارُ نَفَخْتُ فِي بَيْتِ فُلَانٍ أَيْ نَفَخْتُ فِي الْمِزْمَارِ فِي بَيْتِهِ انْتَهَى. وَلَا إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فَنَفَخْنَا فِي ابْنِهَا مِنْ رُوحِنا وَقَوْلُهُ قُلْتُ مَعْنَاهُ نَفَخْنَا الرُّوحَ فِي عِيسَى فِيهَا اسْتَعْمَلَ نَفَخَ مُتَعَدِّيًا، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى فَيَحْتَاجُ فِي تعديه إلى سماع وَغَيْرِ مُتَعَدٍّ اسْتَعْمَلَهُ هُوَ فِي قَوْلِهِ أَيْ نَفَخْتُ فِي الْمِزْمَارِ فِي بَيْتِهِ انْتَهَى. وَلَا إِشْكَالَ فِي ذَلِكَ. وَأَفْرَدَ آيَةً لِأَنَّ حَالَهُمَا لِمَجْمُوعِهِمَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ وِلَادَتُهَا إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ، وَإِنْ كَانَ فِي مَرْيَمَ آيَاتٌ وَفِي عِيسَى آيَاتٌ لَكِنَّهُ هُنَا لَحَظَ أَمْرَ الْوِلَادَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَذَلِكَ هُوَ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهُ لِلْعالَمِينَ أي


(١) سورة الزمر: ٣٩/ ٩. [.....]
(٢) سورة مريم: ١٩/ ٢٠.
(٣) سورة مريم: ١٩/ ١٧.
(٤) سورة الحجر: ١٥/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>