عطلنا عن سقاتها وقَصْرٍ مَشِيدٍ أَخْلَيْنَاهُ عَنْ سَاكِنِيهِ، فَتَرَكَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ مُعَطَّلَةٍ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَبِئْرٍ وَقَصْرٍ مَعْطُوفَانِ عَلَى مِنْ قَرْيَةٍ ومِنْ قَرْيَةٍ تَمْيِيزٌ لكأين، فَكَأَيِّنْ تَقْتَضِي التَّكْثِيرِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِقُرْبِهِ وَبِئْرٍ وَقَصْرٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنْ كَانَ الْإِهْلَاكُ إِنَّمَا يَقَعُ فِي مُعَيَّنٍ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعِ لَا مِنْ حَيْثُ دَلَالَةِ اللَّفْظِ، وينبغي أن يكون بِئْرٍ وَقَصْرٍ مِنْ حَيْثُ عُطِفَا عَلَى مِنْ قَرْيَةٍ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَهْلَكْتُهُمَا كَمَا كَانَ أَهْلَكْتُهَا مُخْبَرًا بِهِ عن فَكَأَيِّنْ الَّذِي هُوَ الْقَرْيَةُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَالْمُرَادُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَالْبِئْرِ وَالْقَصْرِ، وَجَعْلُ وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ مَعْطُوفَيْنِ عَلَى عُرُوشِها جَهْلٌ بِالْفَصَاحَةِ وَوَصَفَ الْقَصْرَ بِمَشِيدٍ وَلَمْ يُوصَفْ بِمُشَيَّدٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ «١» لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ نَاسَبَ التَّكْثِيرَ فِيهِ، وَهَذَا مُفْرَدٌ وَأَيْضًا مَشِيدٍ فَاصِلَةُ آيَةٍ.
وَقَدْ عَيَّنَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هَذِهِ الْبِئْرَ. فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَهْلِ عَدَنَ مِنَ الْيَمَنِ وَهِيَ الرَّسُّ. وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ الْقَصْرَ بَنَاهَ عَادٌ الثَّانِي وَهُوَ مُنْذِرُ بْنُ عَادِ بْنِ إِرَمَ بْنِ عَادٍ.
وَعَنِ الضَّحَّاكِ وغيره: أن البئر بحضر موت مَنْ أَرْضَ الشَّحْرِ، وَالْقَصْرُ مُشْرِفٌ عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ لَا يُرْتَقَى، وَالْبِئْرُ فِي سَفْحِهِ لَا يُقِرُّ الرِّيحُ شَيْئًا يَسْقُطُ فِيهَا.
رُوِيَ أَنَّ صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ نَزَلَ عَلَيْهَا مَعَ أَرْبَعَةِ آلَافِ نَفَرٍ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ وَنَجَّاهُمُ اللَّهُ مِنَ العذاب.
وهي بحضر موت، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَالِحًا حِينَ حَضَرَهَا مَاتَ وَثَمَّ بَلْدَةٌ عِنْدَ الْبِئْرِ اسْمُهَا حَاضُورَا بَنَاهَا قَوْمُ صَالِحٍ وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ جَلِيسُ بْنُ جُلَاسٍ، وَأَقَامُوا بِهَا زَمَنًا ثُمَّ كَفَرُوا وَعَبَدُوا صَنَمًا، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ حَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ، وَقِيلَ: اسْمُهُ شُرَيْحُ بْنُ صَفْوَانَ نَبِيًّا فَقَتَلُوهُ فِي السُّوقِ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ عَنْ آخِرِهِمْ وَعَطَّلَ بِئْرَهُمْ وَخَرَّبَ قَصْرَهُمْ. وَعَنِ الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ قَبْرَ صَالِحٍ بِالشَّامِ فِي بَلْدَةٍ يُقَالُ لَهَا عَكَّا فَكَيْفَ يَكُونُ بحضر موت.
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ.
(١) سورة النساء: ٤/ ٧٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute