للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا دَلَّ عَلَى قُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ مِنْ إِيلَاجِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ وَالنَّهَارِ فِي اللَّيْلِ وَهُمَا أَمْرَانِ مُشَاهَدَانَ مَجِيءُ الظُّلْمَةِ وَالنُّورِ، ذَكَرَ أَيْضًا مَا هُوَ مُشَاهَدٌ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالْعَالَمِ السُّفْلِيِّ، وَهُوَ نُزُولُ الْمَطَرِ وَإِنْبَاتُ الْأَرْضِ وَإِنْزَالُ الْمَطَرِ وَاخْضِرَارُ الْأَرْضِ مَرْئِيَّانِ، وَنِسْبَةُ الْإِنْزَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مُدْرَكٌ بِالْعَقْلِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا إِلَّا أَنَّ كَوْنَ اللَّهِ مُنْزِلَهُ مِنَ السَّمَاءِ غَيْرُ مَرْئِيٍّ إِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْعِلْمِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلْكَ الرُّؤْيَةِ إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا الْعِلْمُ كَانَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَحْصُلْ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا قِيلَ فَأَصْبَحَتْ وَلِمَ صُرِفَ إِلَى لَفْظِ الْمُضَارِعِ؟

قُلْتُ: لِنُكْتَةٍ فِيهِ وَهِيَ إِفَادَةُ بَقَاءِ أَثَرِ الْمَطَرِ زَمَانًا بَعْدَ زَمَانٍ. كَمَا تَقُولُ أَنْعَمَ عَلَيَّ فُلَانٌ عَامَ كَذَا، فَأَرُوحُ وَأَغْدُو شَاكِرًا لَهُ. وَلَوْ قُلْتَ فَرِحْتُ وَغَدَوْتُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الْمَوْقِعَ.

فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا بَالُهُ رَفَعَ وَلَمْ يَنْصِبْ جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ؟ قُلْتُ: لَوْ نَصَبَ لَأَعْطَى مَا هُوَ عَكْسُ الْغَرَضِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ إِثْبَاتُ الِاخْضِرَارِ فَيَنْقَلِبُ بِالنَّصْبِ إِلَى نَفْيِ الِاخْضِرَارِ مِثَالُهُ أَنْ تَقُولَ لِصَاحِبِكَ: أَلَمْ تَرَ أَنِّي أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ فَتَشْكُرَ إِنْ نَصَبْتَهُ فَأَنْتَ نَافٍ لِشُكْرِهِ شَاكٌّ تَفْرِيطَهُ، وَإِنْ رَفَعْتَهُ فَأَنْتُمْ مثبت لِلشُكْرِ هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يَرْغَبَ لَهُ مَنِ اتَّسَمَ بِالْعِلْمِ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ وَتَوْقِيرِ أَهْلِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَوْلُهُ فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فَتَضْحَى أَوْ تَصِيرُ عِبَارَةً عَنِ اسْتِعْجَالِهَا أَثَرَ نُزُولِ الْمَاءِ وَاسْتِمْرَارِهَا كَذَلِكَ عَادَةً وَوَقَعَ قَوْلُهُ فَتُصْبِحُ مِنْ حَيْثُ الْآيَةِ خَبَرًا، وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ وَلَيْسَتْ بِجَوَابٍ لِأَنَّ كَوْنَهَا جَوَابًا لِقَوْلِهِ أَلَمْ تَرَ فَاسِدُ الْمَعْنَى انْتَهَى.

وَلَمْ يُبَيِّنْ هُوَ وَلَا الزَّمَخْشَرِيُّ كَيْفَ يَكُونُ النَّصْبُ نَافِيًا لِلِاخْضِرَارِ، وَلَا كَوْنَ الْمَعْنَى فَاسِدًا.

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: وَسَأَلْتُهُ يَعْنِي الْخَلِيلَ عَنْ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً فَقَالَ: هَذَا وَاجِبٌ وَهُوَ تَنْبِيهٌ. كَأَنَّكَ قُلْتَ: أَتَسْمَعُ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَكَانَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ ابْنُ خَرُوفٍ، وَقَوْلُهُ فَقَالَ هَذَا وَاجِبٌ، وَقَوْلُهُ فَكَانَ كَذَا يُرِيدُ أَنَّهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>