للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاضِيَانِ، وَفَسَّرَ الْكَلَامَ بِأَتَسْمَعُ لِيُرِيَكَ أَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ بِالِاسْتِفْهَامِ لِضَعْفِ حُكْمِ الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ، وَوَقَعَ فِي الشَّرْقِيَّةِ عِوَضُ أَتَسْمَعُ انْتَبِهْ انْتَهَى. وَمَعْنَى فِي الشَّرْقِيَّةِ فِي النُّسْخَةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ.

وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْكِتَابِ فَتُصْبِحُ لَا يُمْكِنُ نَصْبُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَاجِبٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَالْأَرْضُ هَذَا حَالُهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ أَلَمْ تَرَ خَبَرٌ كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ كَذَا فَيَكُونُ كَذَا انْتَهَى. وَيَقُولُ إِنَّمَا امْتَنَعَ النَّصْبُ جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ هُنَا لِأَنَّ النَّفْيَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي تَقْرِيرًا فِي بَعْضِ الْكَلَامِ هُوَ مُعَامَلٌ مُعَامَلَةَ النَّفْيِ الْمَحْضِ فِي الْجَوَابِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «١» وَكَذَلِكَ فِي الْجَوَابِ بِالْفَاءِ إِذَا أَجَبْتَ النَّفْيَ كَانَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْتَفِي الْجَوَابُ، فَإِذَا قُلْتَ: مَا تَأْتِينَا فَتُحَدِّثَنَا بِالنَّصْبِ، فَالْمَعْنَى مَا تَأْتِينَا مُحَدِّثًا إِنَّمَا يَأْتِي وَلَا يُحَدِّثُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِنَّكَ لَا تَأْتِي فَكَيْفَ تُحَدِّثُ، فَالْحَدِيثُ مُنْتَفٍ فِي الْحَالَتَيْنِ وَالتَّقْرِيرُ بِأَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ كَالنَّفْيِ الْمَحْضِ فِي الْجَوَابِ يُثْبِتُ مَا دَخَلَتْهُ الْهَمْزَةُ، وَيَنْتَفِي الْجَوَابُ فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ إِثْبَاتُ الرُّؤْيَةِ وَانْتِفَاءُ الِاخْضِرَارِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ جَوَابَ الِاسْتِفْهَامِ يَنْعَقِدُ مِنْهُ مَعَ الِاسْتِفْهَامِ السَّابِقِ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ فَقَوْلُهُ:

أَلَمْ تَسْأَلْ فَتُخْبِرُكَ الرُّسُومُ يَتَقَدَّرُ أَنْ تَسْأَلَ فَتُخْبِرُكَ الرُّسُومُ، وَهُنَا لَا يَتَقَدَّرُ أَنْ تَرَى إِنْزَالَ الْمَطَرِ تُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً لِأَنَّ اخْضِرَارَهَا لَيْسَ مُتَرَتِّبًا عَلَى عِلْمِكَ أَوْ رُؤْيَتِكَ، إِنَّمَا هُوَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْإِنْزَالِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ لِأَنَّ فِيهِ تَصْوِيرًا لِلْهَيْئَةِ الَّتِي الْأَرْضُ عَلَيْهَا، وَالْحَالَةِ التي لا بست الْأَرْضَ، وَالْمَاضِي يُفِيدُ انْقِطَاعُ الشَّيْءِ وَهَذَا كَقَوْلِ جَحْدَرِ بْنِ مَعْوَنَةَ الْعُكْلِيِّ، يَصِفُ حَالَهَ مَعَ أَشَدِّ نَازِلَةٍ فِي قِصَّةٍ جَرَتْ لَهُ مَعَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ:

يسمو بناظرين تَحسَبُ فيهِمَا ... لَمَّا أَجَالَهُمَا شُعَاعَ سِرَاجِ

لَمَّا نَزَلْتُ بِحِصْنٍ أَزْبَرَ مُهْصِرٍ ... لِلْقِرْنِ أَرْوُاحَ الْعِدَا مَحْاجِ

فَأَكِرُّ أَحْمِلُ وَهُوَ يُقْعِي بِاسْتِهِ ... فَإِذَا يَعُودُ فَرَاجِعْ أَدْرَاجِي

وَعَلِمْتُ أَنِّي إِنْ أَبَيْتُ نِزَالَهُ ... أَنِّي مِنَ الْحَجَّاجِ لَسْتُ بِنَاجِي

فَقَوْلُهُ: فَأَكِرُّ تَصْوِيرٌ لِلْحَالَةِ الَّتِي لَابَسَهَا. وَالظَّاهِرُ تَعَقُّبُ اخْضِرَارِ الْأَرْضِ إنزال المطر وذلك


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>