ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى بِحُسْنِ الأخلاق والتي هِيَ أَحْسَنُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ والسَّيِّئَةَ الشِّرْكُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الصَّفْحُ وَالْإِغْضَاءُ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَالضِّحَاكُ: السَّلَامُ إِذَا أَفْحَشُوا.
وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ: ادْفَعْ بِالْمَوْعِظَةِ الْمُنْكَرَ وَالْأَجْوَدُ الْعُمُومُ فِي الْحُسْنَى وفيما يسوء وبِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَبْلَغُ مِنَ الْحَسَنَةِ لِلْمُبَالَغَةِ الدَّالِّ عَلَيْهَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، وَجَاءَ فِي صِلَةِ الَّتِي لِيَدُلَّ عَلَى مَعْرِفَةِ السَّامِعِ بِالْحَالَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. قِيلَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَقِيلَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ لِأَنَّ الْمُدَارَاةَ مَحْثُوثٌ عَلَيْهَا مَا لم تؤد إِلَى ثَلْمِ دِينٍ وَإِزْرَاءٍ بِمُرُوءَةٍ. نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ يقتضي أَنَّهَا آيَةُ مُوَادَعَةٍ، وَالْمَعْنَى بِمَا يَذْكُرُونَ وَيَصِفُونَكَ بِهِ مِمَّا أَنْتَ بِخِلَافِهِ.
ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى أَنْ يَسْتَعِيذَ من نحسات الشَّيَاطِينِ وَالْهَمْزُ مِنَ الشَّيْطَانِ عِبَارَةٌ عَنْ حَثِّهِ عَلَى الْعِصْيَانِ وَالْإِغْرَاءِ بِهِ كَمَا يَهْمِزُ الرَّائِضُ الدَّابَّةَ لِتُسْرِعَ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِسَوْرَةِ الْغَضَبِ الَّتِي لَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ فِيهَا نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هَمْزُ الشَّيْطَانِ الْجُنُونُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ حُضُورِ الشَّيَاطِينِ فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ.
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: حَتَّى يَتَعَلَّقُ بِيَصِفُونَ أَيْ لَا يَزَالُونَ عَلَى سُوءِ الذِّكْرِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ، وَالْآيَةُ فَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَاضِ وَالتَّأْكِيدِ لِلْإِغْضَاءِ عَنْهُمْ مُسْتَعِينًا بِاللَّهِ عَلَى الشَّيْطَانِ أَنْ يَسْتَنْزِلَهُ عَنِ الْحِلْمِ وَيُغْرِيَهُ عَلَى الِانْتِصَارِ مِنْهُمْ، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: حَتَّى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ غَايَةً مُجَرَّدَةً بِتَقْدِيرِ كَلَامٍ مَحْذُوفٍ وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا هُوَ الْمَعْنِيُّ بِهِ الْمَقْصُودُ ذِكْرُهُ انْتَهَى. فَتَوَهَّمَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ حَتَّى إِذَا كَانَتْ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ لَا تَكُونُ غَايَةً وَهِيَ إِذَا كَانَتْ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ لَا تُفَارِقُهَا الْغَايَةُ وَلَمْ يُبَيِّنِ الْكَلَامَ الْمَحْذُوفَ الْمُقَدَّرَ. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ حَتَّى غَايَةٌ فِي مَعْنَى الْعَطْفِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَبْلَهَا جُمْلَةً مَحْذُوفَةً تَكُونُ حَتَّى غَايَةً لَهَا يَدُلُّ عَلَيْهَا مَا قَبْلَهَا التَّقْدِيرُ: فَلَا أَكُونُ كَالْكُفَّارِ الَّذِينَ تَهْمِزُهُمُ الشَّيَاطِينُ وَيَحْضُرُونَهُمْ حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ وَنَظِيرُ حَذْفِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَيَا عَجَبًا حَتَّى كُلَيْبٌ تُسُبُّنِي أَيْ يَسُبُّنِي النَّاسُ حَتَّى كُلَيْبٌ، فَدَلَّ مَا بَعْدَ حَتَّى عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ وَفِي الْآيَةِ دَلَّ مَا قَبْلَهَا عَلَيْهَا. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: احْتَجَّ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَذَكَّرَهُمْ قُدْرَتَهُ ثُمَّ قَالَ: مُصِرُّونَ عَلَى الْإِنْكَارِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ تَيَقَّنَ ضَلَالَتَهُ وَعَايَنَ الْمَلَائِكَةَ نَدِمَ وَلَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute