للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتَهَى. وَجَمَعَ الضَّمِيرَ فِي ارْجِعُونِ إِمَّا مُخَاطَبَةً لَهُ تَعَالَى مُخَاطَبَةَ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِنُونِ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

فَإِنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ وَقَالَ آخَرُ:

أَلَا فَارْحَمُونِي يَا إِلَهَ مُحَمَّدٍ وَإِمَّا اسْتَغَاثَ أَوَّلًا بِرَبِّهِ وَخَاطَبَ مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ وَقَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَحَدَهُمُ رَاجِعٌ إِلَى الْكُفَّارِ، وَمَسَاقُ الْآيَاتِ إِلَى آخِرِهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

من لَمْ يُزَكِّ وَلَمْ يَحُجَّ سَأَلَ الرَّجْعَةَ. فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِلْكُفَّارِ فَقَرَأَ مُسْتَدِلًّا لقوله أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ «١» آيَةَ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ مَانِعُ الزَّكَاةِ، وَجَاءَ الْمَوْتُ أَيْ حَضَرَ وَعَايَنَهُ الْإِنْسَانُ فَحِينَئِذٍ يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا عَايَنَ الْمُؤْمِنُ الْمَوْتَ قَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: نُرْجِعُكَ فَيَقُولُ إلى دار الهموم والأحزان بَلْ قُدُمًا إِلَى اللَّهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَقُولُ: ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا» .

وَمَعْنَى فِيما تَرَكْتُ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي تَرَكْتُهُ وَالْمَعْنَى لَعَلِّي آتِي بِمَا تَرَكْتُهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَأَعْمَلُ فِيهِ صَالِحًا كَمَا تَقُولُ: لَعَلِّي أَبْنِي عَلَى أُسٍّ، يُرِيدُ أُؤَسِّسُ أُسًّا وَأَبْنِي عَلَيْهِ.

وَقِيلَ: فِيما تَرَكْتُ مِنَ الْمَالِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَلَّا كَلِمَةُ رَدْعٍ عَنْ طَلَبِ الرَّجْعَةِ وَإِنْكَارٍ وَاسْتِبْعَادٍ. فَقِيلَ: هِيَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ لَهُمْ. وَقِيلَ: مِنْ قَوْلِ مَنْ عَايَنَ الْمَوْتَ يَقُولُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّحَسُّرِ وَالنَّدَمِ، وَمَعْنَى هُوَ قائِلُها لَا يَسْكُتُ عَنْهَا وَلَا يَنْزِعُ لِاسْتِيلَاءِ الْحَسْرَةِ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَجِدُ لَهَا جَدْوَى وَلَا يُجَابُ لِمَا سَأَلَ وَلَا يُغَاثُ وَمِنْ وَرائِهِمْ أَيِ الْكُفَّارُ بَرْزَخٌ حَاجِزٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ إِلَى وَقْتِ الْبَعْثِ. وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ إِقْنَاطٌ كُلِّيٌّ أَنْ لَا رُجُوعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا الرُّجُوعُ إِلَى الْآخِرَةِ اسْتُعِيرَ الْبَرْزَخُ لِلْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ مَوْتِ الْإِنْسَانِ وَبَعْثِهِ.

وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَابْنِ عِيَاضٍ فِي الصُّورِ بِفَتْحِ الْوَاوِ جَمْعُ صُورَةٍ، وَأَبُو رَزِينٍ بِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْوَاوِ، وَكَذَا فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَجَمْعُ فُعْلَةَ بِضَمِّ الْفَاءِ عَلَى فِعَلٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ شَاذٌّ. فَلا أَنْسابَ نَفْيٌ عَامٌّ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى يَمُوتُ النَّاسُ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ نَسَبٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُمْ أَمْوَاتٌ، وَهَذَا القول يزبل هَوْلَ الْحَشْرِ. وَقَالَ ابْنُ


(١) سورة المنافقون: ٦٣/ ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>