للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا مِنْ وَاضِحِ الْإِعْرَابِ. وَمَعْنَى ضَرَبَ الْأَمْثَالَ أَيْ بَيَّنَ لَهُمُ الْقِصَصَ الْعَجِيبَةَ مِنْ قَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَوَصَفْنَا لَهُمْ مَا أَدَّى إِلَيْهِ تَكْذِيبُهُمْ بِأَنْبِيَائِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَتَدْمِيرِهِ إِيَّاهُمْ لِيَهْتَدُوا بِضَرْبِ الْأَمْثَالِ فَلَمْ يَهْتَدُوا وَأَبْعَدَ مَنْ جَعَلَ الضَّمِيرَ فِي لَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالْمَعْنَى وَكُلَّ الْأَمْثَالِ ضَرَبْنَا لِلرَّسُولِ وَعَلَى هَذَا وكُلًّا منصوب بضربنا والْأَمْثالَ بَدَلٌ مِنْ كُلًّا. وَالضَّمِيرُ فِي وَلَقَدْ أَتَوْا لِقُرَيْشٍ كَانُوا يَمُرُّونَ عَلَى سَدُومَ مِنْ قُرَى قَوْمِ لُوطٍ فِي مَتَاجِرِهِمْ إِلَى الشَّامِ، وَكَانَتْ قُرًى خَمْسَةً أَهْلَكَ اللَّهُ مِنْهَا أَرْبَعًا وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ زُغَرُ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهَا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ الْعَمَلَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ومَطَرَ السَّوْءِ الْحِجَارَةُ الَّتِي أُمْطِرَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ فَهَلَكُوا.

وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُنَادِي نَصِيحَةً لَكُمْ: يَا سَدُومُ يَوْمٌ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْهَاكُمْ أَنْ تَتَعَرَّضُوا لِلْعُقُوبَةِ مِنَ اللَّهِ

، وَمَعْنَى أَتَوْا مَرُّوا فَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِعَلَى. وَأَفْرَدَ لَفْظَ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَتْ قُرًى لِأَنَّ سَدُومَ هِيَ أُمُّ تِلْكَ الْقُرَى وَأَعْظَمُهَا.

وَقَالَ مَكِّيٌّ: الضَّمِيرُ فِي أَتَوْا عَائِدٌ عَلَى الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا انْتَهَى. وَهُمْ قُرَيْشٌ وَانْتَصَبَ مَطَرَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لَأُمْطِرَتْ عَلَى مَعْنَى أُولِيَتْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مَحْذُوفُ الزَّوَائِدِ أَيْ إِمْطَارَ السَّوْءِ. أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها أَيْ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا فِيهَا مِنَ الْعِبَرِ وَالْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا حَلَّ بِهَا مِنَ النِّقَمِ كَمَا قَالَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ

«١» . وَقَالَ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ «٢» وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ التَّعَجُّبُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِرُؤْيَتِهَا أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ، بَلْ كَانُوا كَفَرَةً لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ فَلَمْ يَتَوَقَّعُوا عَذَابَ الْآخِرَةِ وَضَعَ الرَّجَاءَ مَوْضِعَ التوقع لأنه إنما بتوقع الْعَاقِبَةَ مَنْ يُؤْمِنُ، فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَنْظُرُوا وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا وَمَرُّوا بِهَا كَمَا مَرَّتْ رِكَابُهُمْ، أَوْ لَا يَأْمُلُونَ نُشُوراً كَمَا يَأْمُلُهُ الْمُؤْمِنُونَ لِطَمَعِهِمْ إِلَى ثَوَابِ أَعْمَالِهِمْ أَوْ لَا يَخَافُونَ عَلَى اللُّغَةِ التِّهَامِيَّةِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ مصرت ثلاثي مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَمَطَرَ مُتَعَدٍّ. قَالَ الشَّاعِرُ:

كَمَنْ بَوَادِيهِ بَعْدَ الْمَحْلِ مَمْطُورِ وَقَرَأَ أَبُو السِّمَاكِ مَطَرَ السَّوْءِ بِضَمِّ السِّينِ.

وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً لَمْ يَقْتَصِرِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى إِنْكَارِ نُبُوَّةَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَتَرْكِ الْإِيمَانِ بِهِ، بَلْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ بِالِاسْتِهْزَاءِ وَالِاحْتِقَارِ. حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا وإِنْ نَافِيَةٌ جَوَابُ إِذا وَانْفَرَدَتْ إِذا


(١) سورة الصافات: ٣٧/ ١٣٧.
(٢) سورة الحجر: ١٥/ ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>