للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ سَدِيدًا وَيُعَضِّدُهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ «١» وَإِلَّا فَفَعُولٌ لَا يَكُونُ بِمَعْنَى مُفَعِّلٍ، وَمِنِ اسْتِعْمَالِ طَهُورٍ لِلْمُبَالَغَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً «٢» .

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

إِلَى رُجَّحِ الْأَكْفَالِ غِيدٍ مِنَ الظِّبَا ... عِذَابِ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ

وَقَرَأَ عِيسَى وَأَبُو جَعْفَرٍ مَيْتاً بِالتَّشْدِيدِ وَوَصَفَ بَلَدَةً بِصِفَةِ الْمُذَكَّرِ لِأَنَّ الْبَلْدَةَ تَكُونُ فِي مَعْنَى الْبَلَدِ فِي قَوْلِهِ فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ «٣» وَرَجَّحَ الْجُمْهُورُ التَّخْفِيفَ لِأَنَّهُ يُمَاثِلُ فَعْلًا مِنَ الْمَصَادِرِ، فَكَمَا وُصِفَ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ بِالْمَصْدَرِ فَكَذَلِكَ بِمَا أَشْبَهَهُ بِخِلَافِ الْمُشَدَّدِ فَإِنَّهُ يُمَاثِلُ فَاعِلًا مِنْ حَيْثُ قَبُولُهُ لِلثَّاءِ إِلَّا فِيمَا خَصَّ الْمُؤَنَّثَ نَحْوَ طَامِثٍ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَالْأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا وَنُسْقِيَهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَرُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الذِّمَارِيُّ وَأَناسِيَّ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ.

وَرُوِيَتْ عَنِ الْكِسَائِيِّ وَأَناسِيَّ جَمْعُ إِنْسَانٍ فِي مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ. وَجَمْعُ إِنْسِيٍّ فِي مَذْهَبِ الْفَرَّاءِ وَالْمُبَرِّدِ وَالزَّجَّاجِ، وَالْقِيَاسُ أَنَاسِيَةٌ كَمَا قَالُوا فِي مُهَلَّبِيٍّ مَهَالِبَةٌ. وَحُكِيَ أَنَاسِينُ فِي جَمْعِ إِنْسَانٍ كَسِرْحَانٍ وَسَرَاحِينَ، وَوَصَفَ الْمَاءَ بِالطَّهَارَةِ وَعَلَّلَ إِنْزَالَهُ بِالْإِحْيَاءِ وَالسَّقْيِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَنَاسِيُّ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُنْزِلَ لَهُ الْمَاءُ وُصِفَ بِالطَّهُورِ وَإِكْرَامًا لَهُ وَتَتْمِيمًا لِلنِّعْمَةِ عَلَيْهِ، وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ: حَمَلَنِي الْأَمِيرُ عَلَى فَرَسٍ جَوَادٍ لِأَصِيدَ عَلَيْهِ الْوَحْشَ. وَقَدَّمَ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ وَسَقْيَ الْأَنْعَامِ عَلَى سَقْيِ الْأَنَاسِيِّ لِأَنَّ حَيَاتَهُمْ بِحَيَاةِ أَرْضِهِمْ وَحَيَاةِ أَنْعَامِهِمْ، فَقَدَّمَ مَا هُوَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمْ إِذَا وَجَدُوا مَا يَسْقِي أَرْضَهُمْ وَمَوَاشِيَهُمْ وَجَدُوا سُقْيَاهُمْ. وَنُكِّرَ الْأَنْعَامُ وَالْأَنَاسِيُّ وَوُصِفَا بِالْكَثْرَةِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ لَا يُعَيِّشُهُمْ إِلَّا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْمَطَرِ، وَكَذَلِكَ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً يُرِيدُ بَعْضَ بِلَادِ هَؤُلَاءِ الْمُتَبَاعِدِينَ عَنْ مَظَانِّ الْمَاءِ بِخِلَافِ سُكَّانِ الْمُدُنِ فَإِنَّهُمْ قَرِيبُونَ مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ فَهُمْ غَنِيُّونَ غَالِبًا عَنْ سَقْيِ مَاءِ الْمَطَرِ، وَخَصَّ الْأَنْعَامَ مِنْ بَيْنِ مَا خَلَقَ مِنَ الْحَيَوَانِ الشَّارِبِ لِأَنَّ الطُّيُورَ وَالْوَحْشَ تَبْعُدُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ فَلَا يُعْوِزُهَا الشُّرْبُ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ فَإِنَّهَا قِنْيَةُ الْأَنَاسِيِّ وَمَنَافِعُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَا فَكَانَ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِسَقْيِ أَنْعَامِهِمْ كَالْإِنْعَامِ بِسِقْيِهِمْ.

وَالضَّمِيرُ فِي صَرَّفْناهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَاءِ الْمُنَزَّلِ مِنَ السَّمَاءِ، أَيْ جَعَلْنَا إِنْزَالَ الْمَاءِ تَذْكِرَةً بِأَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إِلَى بَعْضٍ وَهُوَ فِي كُلِّ عَامٍ بِمِقْدَارٍ واحد قاله الجمهور


(١) سورة الأنفال: ٨/ ١١.
(٢) سورة الإنسان: ٧٦/ ٢١.
(٣) سورة فاطر: ٣٥/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>