للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ، فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إِلَّا كُفُوراً هُوَ قَوْلُهُمْ بِالْأَنْوَاءِ وَالْكَوَاكِبِ قَالَهُ عِكْرِمَةُ. وَقِيلَ كُفُوراً عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمَّا تَرَكُوا التَّذَكُّرَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ لِوُضُوحِ الْأَمْرِ وَيُعَضِّدُهُ وَجاهِدْهُمْ بِهِ «١» لِتَوَافُقِ الضَّمَائِرِ، وَعَلَى أَنَّهُ لِلْمَطَرِ يَكُونُ بِهِ لِلْقُرْآنِ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: رَاجِعٌ إِلَى الْمَطَرِ وَالرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ وَسَائِرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: صَرَّفْنَا هَذَا الْقَوْلَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْقُرْآنِ وَفِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَالصُّحُفِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى الرُّسُلِ، وَهُوَ ذِكْرُ إِنْشَاءِ السَّحَابِ وَإِنْزَالِ الْمَطَرِ لِيَتَفَكَّرُوا وَيَعْتَبِرُوا وَيَعْرِفُوا حَقَّ النِّعْمَةِ فِيهِ وَيَشْكُرُوا، فَأَبَى أَكْثَرُهُمْ إِلَّا كُفْرَانَ النِّعْمَةِ وَجُحُودَهَا وَقِلَّةَ الِاكْتِرَاثِ بِهَا. وَقِيلَ: صَرَّفْنَا الْمَطَرَ بَيْنَهُمْ فِي الْبُلْدَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَوْقَاتِ الْمُتَغَايِرَةِ وَعَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ مِنْ وَابِلٍ وَطَلٍّ وَجُودٍ وَرَذَاذٍ وَدِيمَةٍ وَرِهَامٍ فَأَبَوْا إِلَّا الْكُفُورَ. وَأَنْ يَقُولُوا مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَلَا يَذْكُرُوا رَحْمَتَهُ وَصَنْعَتَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا مِنْ عَامٍ أَقَلُّ مَطَرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ ذَلِكَ بَيْنَ عِبَادِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.

وَيُرْوَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَعْرِفُونَ عَدَدَ الْمَطَرِ وَمِقْدَارَهُ فِي كُلِّ عَامٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ فِي الْبِلَادِ

وَيُنْتَزَعُ مِنْ هَاهُنَا جَوَابٌ فِي تَنْكِيرِ الْبَلْدَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْأَنَاسِيِّ كَأَنَّهُ قَالَ: لِيُحْيِيَ بِهِ بَعْضَ الْبِلَادِ الْمَيِّتَةِ، وَنُسْقِيَهُ بَعْضَ الْأَنْعَامِ وَالْأَنَاسِيِّ وَذَلِكَ الْبَعْضُ كَثِيرٌ انْتَهَى. وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ صَرَّفْناهُ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ.

وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً لَمَّا عَلِمَ تَعَالَى مَا كَابَدَهُ الرَّسُولُ مِنْ أَذَى قَوْمِهِ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ لَبَعَثَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَيُخَفِّفَ عَنْكَ الْأَمْرَ وَلَكِنَّهُ أَعْظَمَ أَجْرَكَ وَأَجَلَّكَ إِذْ جَعَلَ إِنْذَارَكَ عَامًّا لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ، وَخَصَّكَ بِذَلِكَ لِيَكْثُرَ ثَوَابُكَ لِأَنَّهُ عَلَى كَثْرَةِ الْمُجَاهَدَةِ يَكُونُ الثَّوَابُ، وَلِيَجْمَعَ لَكَ حَسَنَاتِ مَنْ آمَنَ بِكَ إِذْ أَنْتَ مُؤَسِّسُهَا. فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ فَإِنَّهُمْ كَانُوا اسْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَرَغِبُوا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ وَيُمَلِّكُونَهُ عَلَيْهِمْ وَيَجْمَعُونَ لَهُ مَالًا عَظِيمًا فَنَهَاهُ تَعَالَى عَنْ طَاعَتِهِمْ حَتَّى يُظْهِرَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّ رَغْبَتَهُ فِي الدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ. وَجاهِدْهُمْ بِهِ أَيِ الْقُرْآنِ أَوْ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بِالسَّيْفِ أو بترك طاعتهم وجِهاداً مصدر وصف بكبيرا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُجَاهَدَةُ جَمِيعِ الْعَالَمِ فَهُوَ جهاد كبير.

ومَرَجَ خَلَطَ بَيْنَهُمَا أَوْ أَفَاضَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ أَوْ أَجْرَاهُمَا أَقْوَالٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَادُ بِالْبَحْرَيْنِ الْمَاءُ الْكَثِيرُ الْعَذْبُ وَالْمَاءُ الْكَثِيرُ الْمِلْحُ. وَقِيلَ: بَحْرَانِ مُعَيَّنَانِ. فَقِيلَ: بحر


(١) سورة الفرقان: ٢٥/ ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>