للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَلْزَمُ مِنْ كَبِّهَا فِي النَّارِ كَبُّ الْجَمِيعِ، أَوْ عُبِّرَ بِالْوَجْهِ عَنْ جُمْلَةِ الْإِنْسَانِ، كَمَا يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ، كَمَا قَالَ: فَكُبْكِبُوا فِيها «١» ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَكُبُّوا فِي النَّارِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ كُبَّتْ، أَنَّهُمْ يُلْقَوْنَ فِي النَّارِ مَنْكُوسِينَ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، أَعْلَاهُمْ قَبْلَ أَسْفَلِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ طَرْحِهِمْ فِي النَّارِ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. هَلْ تُجْزَوْنَ: خِطَابٌ لَهُمْ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ وَقْتَ الْكَبِّ: هَلْ تُجْزَوْنَ.

ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ: إِنَّما أُمِرْتُ، وَالْآمِرُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ، أَوْ دَلِيلُ الْعَقْلِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى. أَنْ أَعْبُدَ: أَيْ أُفْرِدَهُ بِالْعِبَادَةِ، وَلَا أَتَّخِذَ مَعَهُ شَرِيكًا، كَمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ، وَهَذِهِ إِشَارَةُ تَعْظِيمٍ كَقَوْلِهِ: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ «٢» ، هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَوْطِنُ نَبِيِّهِ وَمَهْبِطُ وَحْيِهِ. وَالْبَلْدَةُ: مَكَّةُ، وَأُسْنِدَ التَّحْرِيمُ إِلَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا وَاخْتِصَاصًا، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَوْلِهِ: الَّذِي حَرَّمَها،

وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ»

، لِأَنَّ إِسْنَادَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ بِقَضَائِهِ وَسَابِقِ عِلْمِهِ، وَإِسْنَادَهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ حَيْثُ كَانَ ظُهُورُ ذَلِكَ بِدُعَائِهِ وَرَغْبَتِهِ وَتَبْلِيغِهِ لِأُمَّتِهِ. وَفِي قَوْلِهِ: حَرَّمَها، تَنْبِيهٌ بِنِعْمَتِهِ عَلَى قُرَيْشٍ، إِذْ جَعَلَ بَلْدَتَهُمْ آمِنَةً مِنَ الْغَارَاتِ وَالْفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، وَأَهْلَكَ مَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الَّذِي: صِفَةً لِلرَّبِّ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ: الَّتِي حَرَّمَهَا: صِفَةً لِلْبَلْدَةِ، وَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ مَالِكُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَخْبَرَ أَنَّهُ يَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ فَقَالَ: وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ، أَيْ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ دَاخِلَةٌ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، فَشَرُفَتِ الْبَلْدَةُ بِذِكْرِ انْدِرَاجِهَا تَحْتَ رُبُوبِيَّتِهِ عَلَى جِهَةِ الْخُصُوصِ، وَعَلَى جِهَةِ الْعُمُومِ. وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَيْ مِنَ الْمُسْتَسْلِمِينَ الْمُنْقَادِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ، فَأَعْبُدُهُ كَمَا أَمَرَنِي، أَوْ مِنَ الْحُنَفَاءِ الثَّابِتِينَ عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ الْمُشَارِ إِلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ «٣» ، وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ، إِمَّا مِنَ التِّلَاوَةِ، أَيْ: وَأَنْ أَتْلُوَ عَلَيْكُمُ الْقُرْآنَ، وَهَذَا الظَّاهِرُ، إِذْ بَعْدَهُ التَّقْسِيمُ الْمُنَاسِبُ لِلتِّلَاوَةِ، وَإِمَّا مِنَ الْمَتْلُوِّ، أَيْ: وَأَنْ أَتَّبِعَ الْقُرْآنَ، كَقَوْلِهِ: وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ «٤» . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَأَنْ أَتْلُوَ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: وَأَنِ اتْلُ، بِغَيْرِ وَاوٍ، أَمْرًا مِنْ تَلَا، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ أَنْ مَصْدَرِيَّةً وُصِلَتْ بِالْأَمْرِ، وَجَازَ أَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً عَلَى إِضْمَارِ: وَأُمِرْتُ أَنِ أَتْلُ، أَيِ اتْلُ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ: وَاتْلُ هَذَا الْقُرْآنَ، جَعَلَهُ أَمْرًا دُونَ أَنْ. فَمَنِ اهْتَدى، بِهِ وَوَحَّدَ اللَّهَ وَنَبِيَّهُ وَآمَنَ بِمَا جَاءَ بِهِ، فَثَمَرَةُ هِدَايَتِهِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ. وَمَنْ ضَلَّ، فَوَبَالُ إِضْلَالِهِ مُخْتَصٌّ به،


(١) سورة الشعراء: ٢٦/ ٩٤.
(٢) سورة الأنعام: ٦/ ٩٣.
(٣) سورة الحج: ٢٢/ ٧٨.
(٤) سورة يونس: ١٠/ ١٠٩. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>