للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالزُّهْرِيُّ،

وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو الْجَهْجَاهِ الْأَعْرَابِيُّ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ، وَبِلَالُ بْنُ أَبِي بَرْزَةَ: بِنَصْبِ إِبْلِيسَ وَرَفْعِ ظَنَّهُ.

أَسْنَدَ الْفِعْلَ إلى ظنه، لأنه ظنا فَصَارَ ظَنُّهُ فِي النَّاسِ صَادِقًا، كَأَنَّهُ صَدَقَهُ ظَنَّهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ. وَقَرَأَ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: إبليس ظَنُّهُ، بِرَفْعِهِمَا، فَظَنُّهُ بَدَلٌ مِنْ إِبْلِيسُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ.

فَاتَّبَعُوهُ: أَيْ فِي الْكُفْرِ. إِلَّا فَرِيقاً: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَمِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ، أَنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اتَّبَعُوا إِبْلِيسَ. وَفِي قَوْلِهِ:

إِلَّا فَرِيقاً، تَقْلِيلٌ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْكُفَّارِ قَلِيلٌ، كَمَا قَالَ: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا. وَما كانَ لَهُ: أَيْ لِإِبْلِيسَ، عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ: أَيْ مِنْ تَسَلُّطٍ وَاسْتِيلَاءٍ بِالْوَسْوَسَةِ وَالِاسْتِوَاءِ، وَلَا حُجَّةٍ إِلَّا الْحِكْمَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَمَيُّزِ الْمُؤْمِنِ بِالْآخِرَةِ مِنَ الشَّاكِّ فِيهَا.

وَعَلَّلَ التَّسَلُّطَ بِالْعِلْمِ، وَالْمُرَادُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعِلْمُ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عطية: إِلَّا لِنَعْلَمَ مَوْجُودًا، لِأَنَّ الْعِلْمَ مُتَقَدِّمٌ أَوَّلًا. انْتَهَى. وَقَالَ مَعْنَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: لِنَعْلَمَ حَادِثًا كَمَا عَلِمْنَاهُ قَبْلَ حُدُوثِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لِيَعْلَمَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ عَامًّا ظَاهِرًا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعِقَابَ وَالثَّوَابَ وَقِيلَ: لِيَعْلَمَ أَوْلِيَاؤُنَا وَحِزْبُنَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ لَهُ سَوْطٌ وَلَا سَيْفٌ، وَلَكِنَّهُ اسْتَمَالَهُمْ فَمَالُوا بِتَزْيِينِهِ. انْتَهَى. كَمَا قال تعالى عنه: ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي «١» . وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ: إِلَّا لِيُعْلَمَ، بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: إِلَّا لِيُعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْيَاءِ. وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ، إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ عَدَلَ إِلَيْهَا عَنْ حَافِظٍ، وَإِمَّا بِمَعْنَى مُحَافِظٍ، كَجَلِيسٍ وَخَلِيلٍ. وَالْحِفْظُ يَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ، لِأَنَّ مَنْ جَهِلَ الشَّيْءَ وَعَجَزَ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ.

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ، قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ، قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وَيَقُولُونَ مَتى هذَا


(١) سورة يوسف: ١٤/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>