الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ، وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا: أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ، وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كانُوا يَعْمَلُونَ.
لَمَّا بَيَّنَ حَالَ الشَّاكِرِينَ وَحَالَ الْكَافِرِينَ، وَذَكَرَ قُرَيْشًا وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِمَنْ مَضَى، عَادَ إِلَى خِطَابِهِمْ فَقَالَ: قُلْ، يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ضُرِبَ لَهُمُ الْمَثَلُ بِقِصَّةِ سَبَأٍ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَهُمْ بِالنَّقْلِ فِي أَخْبَارِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ، ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ، وَهُمْ مَعْبُودَاتُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَصْنَامِ، وَهُوَ أَمْرٌ بِدُعَاءٍ هُوَ تَعْجِيزٌ وَإِقَامَةٌ لِلْحُجَّةِ. وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ عِنْدَ الْجُوعِ الَّذِي أَصَابَ قُرَيْشًا، أَيِ ادْعُوهُمْ لِيَكْشِفُوا عَنْكُمْ مَا حَلَّ بِكُمْ، وَالْجَئُوا إِلَيْهِمْ فِيمَا يَعِنُّ لَكُمْ. وَزَعَمَ: مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ إِذَا كَانَتْ اعْتِقَادِيَّةً، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الضَّمِيرُ الْمَحْذُوفُ الْعَائِدُ عَلَى الَّذِينَ، وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ أَيْضًا لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى، وَنَابَتْ صِفَتُهُ مَنَابَهُ، التَّقْدِيرُ: الَّذِي زَعَمْتُمُوهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِهِ وَحَسَّنَ حَذْفَ الثَّانِي قِيَامُ صِفَتِهِ مَقَامَهُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا حَسُنَ، إِذْ فِي حَذْفِ إِحْدَى مَفْعُولَيْ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا اخْتِصَارًا خِلَافٌ، مَنَعَ ذَلِكَ ابْنُ مَلَكُوتٍ، وَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَلِيلٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مِنْ دُونِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ كَلَامًا. لَوْ قُلْتُ: هُمْ مَنْ دُونِهِ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَا الْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ مَزْعُومَةً لَهُمْ لَكَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِالْحَقِّ قَائِلِينَ لَهُ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ تَوْحِيدًا مِنْهُمْ، وَأَنَّ آلِهَتَهُمْ وَمَعْبُودَاتِهِمْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا بِاعْتِرَافِهِمْ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ آلِهَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَهُوَ أَحْقَرُ الْأَشْيَاءِ، وَإِذَا انْتَفَى مِلْكُ الْأَحْقَرِ عَنْهُمْ، فَمِلْكُ الْأَعْظَمِ أَوْلَى. ثُمَّ ذَكَرَ مَقَرَّ ذَلِكَ الْمِثْقَالِ، وهو السموات وَالْأَرْضُ. ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ ما لهم في السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شِرْكَةٍ، فَنَفَى نَوْعَيِ الْمُلْكِ مِنَ الِاسْتِبْدَادِ وَالشِّرْكَةِ. ثُمَّ نَفَى الْإِعَانَةَ مِنْهُمْ لَهُ تَعَالَى فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْشَأَ بِقَوْلِهِ: وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ، فَبَيَّنَ عَجْزَ مَعْبُودَاتِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ.
وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ لِتَشْفَعَ لَهُ، نَفَى أَنَّ شَفَاعَتَهُمْ تَنْفَعُ، وَالنَّفْيُ مُنْسَحِبٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ، أَيْ لَا شَفَاعَةَ لَهُمْ فَتَنْفَعُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَشْفَعُونَ، وَلَا تَنْفَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute