للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، فَإِيمَانُهُ وَعَمَلُهُ يُقَرِّبَانِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ بَدَلٌ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي تُقَرِّبُكُمْ، وَقَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْكَافَ وَالْمِيمَ لِلْمُخَاطَبِ، فَلَا يَجُوزُ الْبَدَلُ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ: رَأَيْتُكَ زَيْدًا وَقَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ هذا هو قَوْلُ الْفَرَّاءِ. انْتَهَى.

وَمَذْهَبُ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ وَالْمُتَكَلِّمِ، لَكِنَّ الْبَدَلَ فِي الْآيَةِ لَا يَصِحُّ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يصح تفريغ الْفِعْلِ الْوَاقِعِ صِلَةً لِمَا بَعْدَ إِلَّا؟ لَوْ قُلْتَ: مَا زَيْدٌ بِالَّذِي يَضْرِبُ إِلَّا خَالِدًا، لَمْ يَصِحَّ. وَتَخَيَّلَ الزَّجَّاجُ أَنَّ الصِّلَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مَنْفِيَّةً، أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَدَلُ، وَلَيْسَ بِجَائِزٍ إِلَّا فِيمَا يَصِحُّ التَّفْرِيغُ لَهُ. وَقَدِ اتَّبَعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ:

إِلَّا مَنْ آمَنَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كُمْ فِي تُقَرِّبُكُمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْأَمْوَالَ لَا تُقَرِّبُ أَحَدًا إِلَّا الْمُؤْمِنَ الصَّالِحَ الَّذِي يُنْفِقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْأَوْلَادَ لَا تُقَرِّبُ أَحَدًا إِلَّا مَنْ عَلَّمَهُمُ الْخَيْرَ وَفَّقَهُمْ فِي الدِّينِ وَرَشَّحَهُمْ لِلصَّلَاحِ وَالطَّاعَةِ. انْتَهَى، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. كَمَا ذَكَرْنَا، لَا يَجُوزُ: مَا زِيدٌ بِالَّذِي يَخْرُجُ إِلَّا أُخُوَّةً، وَلَا مَا زَيْدٌ بِالَّذِي يَضْرِبُ إِلَّا عَمْرًا، وَلَا مَا زِيدٌ بِالَّذِي يَمُرُّ إِلَّا بِبَكْرٍ.

وَالتَّرْكِيبُ الَّذِي رَكَّبَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ قَوْلِهِ: لَا يُقَرِّبُ أَحَدًا إِلَّا الْمُؤْمِنَ، غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْقُرْآنِ فَفِي الَّذِي رَكَّبَهُ يَجُوزُ مَا قَالَ، وَفِي لَفْظِ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنْ تَكُونَ مَنْ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ عِنْدَهُ مَا هُوَ الْمُقَرَّبُ إِلَّا مَنْ آمَنَ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ كَلَامٌ لَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ مَعْنًى، كَأَنَّهُ كَانَ نَائِمًا حِينَ قَالَ ذَلِكَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: جَزاءُ الضِّعْفِ عَلَى الْإِضَافَةِ، أُضِيفَ فِيهِ الْمَصْدَرُ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَقَدَرَّهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَقَالَ: أَنْ يجاوز الضِّعْفَ، وَالْمَصْدَرُ فِي كَوْنِهِ يُبْنَى لِلْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ فِيهِ خِلَافٌ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ، وَيُقَدَّرُ هُنَا أَنْ يُجَاوِزَ اللَّهُ بِهِمُ الضِّعْفَ، أَيْ يُضَاعِفُ لَهُمْ حَسَنَاتِهِمْ، الْحَسُنَّةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَبِأَكْثَرَ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ لِمَنْ يَشَاءُ. وَقَرَأَ قَتَادَةُ: جَزَاءٌ الضِّعْفُ بِرَفْعِهِمَا فَالضِّعْفُ بَدَلٌ، وَيَعْقُوبُ فِي رِوَايَةٍ بِنَصْبِ جَزَاءً وَرَفْعِ الضِّعْفُ، وَحَكَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ الدَّانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، وَانْتُصِبَ جَزَاءً عَلَى الْحَالِ، كَقَوْلِكَ: فِي الدَّارِ قَائِمًا زَيْدٌ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فِي الْغُرُفاتِ جَمْعًا مَضْمُومُ الرَّاءِ وَالْحَسَنُ، وَعَاصِمٌ: بِخِلَافٍ عَنْهُ وَالْأَعْمَشُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: بِإِسْكَانِهَا وَبَعْضُ الْقُرَّاءِ: بفتحها وَابْنُ وَثَّابٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَطَلْحَةُ، وَحَمْزَةُ: وَأَطْلَقَ فِي اخْتِيَارِهِ فِي الْغُرْفَةِ عَلَى التَّوْحِيدِ سَاكِنَةَ الرَّاءِ وَابْنُ وَثَّابٍ أَيْضًا: بِفَتْحِهَا عَلَى التَّوْحِيدِ. وَلَمَّا ذَكَرَ جَزَاءَ مَنْ آمَنَ، ذَكَرَ عِقَابَ مَنْ كفر، ليظهر تباين الجزأين، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. وَلَمَّا كَانَ افْتِخَارُهُمْ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ، أُخْبِرُوا أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَا شَاءَ اللَّهُ كَبُرَ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى تَأْكِيدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>