للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ زَيْدٍ: طَاعِنِينَ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِمْ: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ «١» . وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِقَوْلِهِمْ: شَاعِرٌ وَسَاحِرٌ وَكَاهِنٌ. مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ: أَيْ فِي جِهَةٍ بَعِيدَةٍ، لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَبْعَدِ الْأَشْيَاءِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذَا تَكَلُّمٌ بِالْغَيْبِ وَالْأَمْرِ الْخَفِيِّ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُشَاهِدُوا مِنْهُ سِحْرًا وَلَا شِعْرًا وَلَا كَذِبًا، وَقَدْ أَتَوْا بِهَذَا الْغَيْبِ مِنْ جِهَةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ حَالِهِ، لِأَنَّ أَبْعَدَ شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ الشِّعْرُ وَالسِّحْرُ، وَأَبْعَدُ شَيْءٍ مِنْ عَادَتِهِ الَّتِي عُرِفَتْ بَيْنَهُمْ وَجُرِّبَتِ الْكَذِبُ وَالزُّورُ. انْتَهَى. وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَأْنَفٌ، أَيْ يَتَلَفَّظُونَ بِكَلِمَةِ الْإِيمَانِ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسَهَا إِيمَانُهَا، فَمُثِّلَتْ حَالَهُمْ فِي طَلَبِهِمْ تَحْصِيلِ مَا عَطَّلُوهُ مِنَ الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِهِمْ: آمَنَّا فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ مَطْلَبٌ مُسْتَبْعَدٌ مِمَّنْ يَقْذِفُ شَيْئًا مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لَا مَجَالَ لِلنَّظَرِ فِي لُحُوقِهِ، حَيْثُ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ لِكَوْنِهِ غَائِبًا عَنْهُ بَعِيدًا. وَالْغَيْبُ: الشَّيْءُ الْغَائِبُ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَمَحْبُوبٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: وَيُقْذَفُونَ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَيَرْجُمُهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ: يُرْمُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، وَمَعْنَاهُ: يُجَازَوْنَ بِسُوءِ أَعْمَالِهِمْ، وَلَا عِلْمَ لَهُمْ بِمَا أَتَاهُ، إِمَّا فِي حَالِ تَعَذُّرِ التَّوْبَةِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْمَوْتِ، وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ يَأْتِيهِمْ بِهِ، يَعْنِي بِالْغَيْبِ، شَيَاطِينُهُمْ وَيُلَقِّنُونَهُمْ إِيَّاهُمْ، وَقِيلَ: يُرْمُونَ فِي النَّارِ وَقِيلَ: هُوَ مَثَلٌ، لِأَنَّ مَنْ يُنَادَى مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لَا يَسْمَعُ، أَيْ هُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَا يَسْمَعُونَ.

وَحِيلَ بَيْنَهُمْ، قَالَ الْحَوْفِيُّ: الظَّرْفُ قَائِمٌ مَقَامَ اسْمِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. انْتَهَى. وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرَ، لَكَانَ مَرْفُوعًا بينهم، كفراءة مَنْ قَرَأَ: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «٢» ، فِي أحد المعنيين، لَا يُقَالُ لِمَا أُضِيفَ إِلَى مَبْنِيٍّ وَهُوَ الضَّمِيرُ بَنَى، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا. كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ مَا مَثَّلَهُمْ، يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الضَّمِيرِ، وَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا، لِأَنَّهُ قَوْلٌ فَاسِدٌ. يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: مَرَرْتُ بِغُلَامَكَ، وَقَامَ غُلَامَكَ بِالْفَتْحِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ. وَالْبِنَاءُ لِأَجْلِ الْإِضَافَةِ إِلَى الْمَبْنِيِّ لَيْسَ مُطْلَقًا، بَلْ لَهُ مَوَاضِعُ أُحْكِمَتْ فِي النَّحْوِ، وَمَا يَقُولُ قَائِلٌ ذَلِكَ في قول الشَّاعِرُ:

وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الْعِيرِ وَالنَّزَوَانِ فَإِنَّهُ نَصَبَ بَيْنَ، وَهِيَ مُضَافَةٌ إِلَى مُعْرَبٍ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مَا وَرَدَ مِنْ نَحْوِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْقَائِمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ هُوَ ضَمِيرُ الْمَصْدَرِ الدَّالُّ عَلَيْهِ، وَحِيلَ هُوَ، أَيِ الْحَوْلُ، وَلِكَوْنِهِ أُضْمِرَ لَمْ يَكُنْ مَصْدَرًا مُؤَكِّدًا، فَجَازَ أَنْ يُقَامَ مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَخْرُجُ قول الشاعر:


(١) سورة الأنعام: ٦/ ٢٥ وغيرها من السور. [.....]
(٢) سورة الأنعام: ٦/ ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>