وَابْنُ يُونُسَ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَأَبُو عُمَارَةَ عَنْ حَفْصٍ. وَالْقِطْمِيرُ، تَقَدَّمَ شَرْحُهُ. وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنْ رِجَالِهِ، وَالضَّحَّاكُ: هُوَ الْقُمْعُ الَّذِي فِي رَأْسِ التَّمْرَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِفَافَةُ النَّوَاةِ وَقِيلَ:
الَّذِي بَيْنَ قُمْعِ التَّمْرَةِ وَالنَّوَاةِ وَقِيلَ: قِشْرُ الثَّوْمِ وَأَيًّا مَا كَانَ، فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْقَلِيلِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَأَبُوكَ يُخَفِّفُ نَعْلَهُ مُتَوَرِّكًا ... مَا يَمْلِكُ الْمِسْكِينُ مِنْ قِطْمِيرِ
لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ، لِأَنَّهُمْ جَمَادٌ وَلَوْ سَمِعُوا، هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ لَهُمْ مِنَ الْإِلَهِيَّةِ، يتبرؤون مِنْهَا. وَقِيلَ: مَا نَفَعُوكُمْ، وَأَضَافَ الْمَصْدَرَ: فِي شِرْكِكُمْ، أَيْ بِإِشْرَاكِكُمْ لَهُمْ مَعَ اللَّهِ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُمْ كَقَوْلِهِ:
مَا كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ «١» ، فَهِيَ إِضَافَةٌ إِلَى الْفَاعِلِ. وَقَوْلُهُ: يَكْفُرُونَ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَا يَظْهَرُ هُنَالِكَ مِنْ جُمُودِهَا وَبُطْئِهَا عِنْدَ حَرَكَةِ نَاطِقٍ، وَمُدَافَعَةِ كُلِّ مُحْتَجٍّ، فَيَجِيءُ هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ، كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
وَقَفْتُ عَلَى رَبْعٍ لِمَيَّةَ نَاطِقٍ ... تُخَاطِبُنِي آثَارُهُ وَأُخَاطِبُهْ
وَأَسْقِيهِ حَتَّى كَادَ مِمَّا أَبُثُّهُ ... تُكَلِّمُنِي أَحْجَارُهُ وَمَلَاعِبُهْ
وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ، قَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: الْخَبِيرُ هُنَا أَرَادَ بِهِ تَعَالَى نَفْسَهُ، فَهُوَ الْخَبِيرُ الصَّادِقُ الْخَبَرِ، نَبَّأَ بِهَذَا، فَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ. قَالَ ابن عطية: ويحتمل أن يَكُونَ قَوْلُهُ: وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ مِنْ تَمَامِ ذِكْرِ الْأَصْنَامِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَلَا يُخْبِرُكَ مِثْلُ مَنْ يُخْبِرُكَ عَنْ نَفْسِهِ، أَيْ لَا يَصْدُقُ فِي تَبَرُّئِهَا مِنْ شِرْكِكُمْ مِنْهَا، فَيُرِيدُ بِالْخَبِيرِ عَلَى هَذَا الْمَثَلِ لَهُمَا، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ عَنْ نَفْسِهِ، وَهِيَ قَدْ أَخْبَرَتْ عَنْ نَفْسِهَا بِالْكُفْرِ بِهَؤُلَاءِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا يُخْبِرُكَ بِالْأَمْرِ مُخْبِرٌ، هُوَ مِثْلُ خَبِيرٍ عَالِمٍ بِهِ، يُرِيدُ أَنَّ الْخَبِيرَ بِالْأَمْرِ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُكَ بِالْحَقِيقَةِ دُونَ سَائِرِ الْمُخْبِرِينَ بِهِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ حَالِ الْأَوْثَانِ هُوَ الْحَقُّ، لِأَنِّي خَبِيرٌ بِمَا أُخْبِرُ بِهِ. وَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِطَابًا لِلرَّسُولِ لَمَّا أُخْبِرَ بِأَنَّ الْخَشَبَ وَالْحَجَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَنْطِقُ وَيُكَذِّبُ عَابِدَهُ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ الْمُجَرَّدِ لَوْلَا إِخْبَارُ اللَّهِ عَنْهُ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُمْ بِرَبِّهِمْ يَكْفُرُونَ، أَيْ يَكْفُرُونَ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ كَوْنِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ أَمْرًا عَجِيبًا هُوَ كما قال، لأن
(١) سورة يونس: ١٠/ ٢٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute