للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُخْبِرَ عَنْهُ خَبِيرٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِأَحَدٍ، أَيْ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ هُوَ كَمَا ذَكَرَ، لَا يُنَبِّئُكَ أَيُّهَا السَّامِعُ كَائِنًا مَنْ كُنْتَ مِثْلُ خَبِيرٍ.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ، وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ، إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ، وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ، ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ هَذِهِ آيَةُ مَوْعِظَةٍ وَتَذْكِيرٍ، وَأَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ مُحْتَاجُونَ إِلَى إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْعَامِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ، لَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنِ الْعَالَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

وَعَرَّفَ الْفُقَرَاءَ لِيُرِيَهُمْ شَدِيدَ افْتِقَارِهِمْ إِلَيْهِ، إِذْ هُمْ جِنْسُ الْفُقَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ مفتقر إِلَيْهِ، فَلِضَعْفِهِمْ جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ جَمِيعُ هَذَا الْجِنْسِ وَلَوْ نَكَّرَ لَكَانَ الْمَعْنَى: أَنْتُمْ، يَعْنِي الْفُقَرَاءَ، وَقُوبِلَ الْفُقَرَاءُ بِالْغَنِيِّ، وَوُصِفَ بِالْحَمِيدِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ جَوَادٌ مُنْعِمٌ، فَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَى مَا يُسْدِيهِ مِنَ النِّعَمِ، مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ الْغَنِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِغْنَائِهِ عَنِ الْعَالَمِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْتَاجٍ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ: أَيْ إِنْ يَشَأْ إِذْهَابَكُمْ يُذْهِبْكُمْ، وَفِي هَذَا وَعِيدٌ بِإِهْلَاكِهِمْ. وَما ذلِكَ: أَيْ إِذْهَابُكُمْ، وَالْإِتْيَانُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ بِعَزِيزٍ، أَيْ بِمُمْتَنِعٍ عَلَيْهِ، إِذْ هُوَ الْمُتَّصِفُ بِالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يُرِيدُهُ. وَمَعْنَى: بِخَلْقٍ جَدِيدٍ: بَدَلَكُمْ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ «١» .

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَخْلُقُ بَعْدَكُمْ مَنْ يَعْبُدُهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ ذِكْرِ الْإِذْهَابِ بَعْدَ وَصْفِهِ تَعَالَى بِالْغَنِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشاءُ «٢» . وَجَاءَ أَيْضًا تَعْلِيقُ الْإِذْهَابِ مَخْتُومًا آخِرَ الْآيَةِ بِذِكْرِ الْقُدْرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً «٣» .


(١) سورة محمد: ٤٧/ ٣٨.
(٢) سورة الأنعام: ٦/ ١٣٣.
(٣) سورة النساء: ٤/ ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>