للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ مَيِّتِينَ، إِنَّمَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ وَلَا يَمُوتُونَ. وَقَرَأَ عِيسَى، وَالْحَسَنُ: فَيَمُوتُونَ، بِالنُّونِ، وَجْهُهَا أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى لَا يُقْضَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهِيَ قِرَاءَةٌ ضَعِيفَةٌ.

انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْمَازِنِيُّ: هُوَ عَطْفٌ، أَيْ فَلَا يَمُوتُونَ، لِقَوْلِهِ: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ «١» ، أَيْ فَلَا يَعْتَذِرُونَ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ نَوْعُ عَذَابِهِمْ. وَالنَّوْعُ فِي نَفْسِهِ يَدْخُلُهُ أَنْ يُحْيَوْا وَيُسْعَدُوا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَرَأَ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: وَلَا يُخَفَّفْ بِإِسْكَانِ الْفَاءِ شَبَّهَ الْمُنْفَصِلَ بِالْمُتَّصِلِ، كَقَوْلِهِ:

فَالْيَوْمَ أَشْرَبُ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نَجْزِي كُلَّ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَنَصَبَ كُلَّ وَأَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو حَاتِمٍ عَنْ نَافِعٍ: بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، كُلُّ بِالرَّفْعِ. وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ: بُنِيَ مِنَ الصَّرْخِ يَفْتَعِلُ، وَأُبْدِلَتْ مِنَ التَّاءِ طَاءٌ، وَأَصْلُهُ يَصْرِخُونَ، وَالصُّرَاخُ: شِدَّةُ الصِّيَاحِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

صَرَخَتْ حُبْلَى أَسْلَمَتْهَا قَبِيلُهَا وَاسْتُعْمِلَ فِي الِاسْتِغَاثَةِ لِجِهَةِ الْمُسْتَغِيثِ صَوْتُهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَطُولُ اصْطِرَاخِ الْمَرْءِ فِي بُعْدِ قَعْرِهَا ... وَجُهْدُ شَقِيٍّ طَالَ فِي النَّارِ مَا عَوَى

رَبَّنا أَخْرِجْنا: أَيْ قَائِلِينَ رَبَّنَا أخرجنا منها، أي من النَّارِ، وَرُدَّنَا إِلَى الدُّنْيَا.

نَعْمَلْ صالِحاً قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، أَيْ مِنَ الشِّرْكِ، وَنَمْتَثِلُ أَمْرَ الرُّسُلِ، فَنُؤْمِنُ بَدَلَ الْكُفْرِ، وَنُطِيعُ بَدَلَ الْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ.

هَلِ اكْتَفَى بِصَالِحًا، كَمَا اكتفى به في فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً «٢» ؟ وَمَا فَائِدَةُ زِيَادَةِ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ صَالِحًا آخَرَ غَيْرَ الصَّالِحِ الَّذِي عَمِلُوهُ؟ قُلْتُ:

فَائِدَتُهُ زِيَادَةُ التَّحَسُّرِ عَلَى مَا عَمِلُوهُ مِنْ غَيْرِ الصَّالِحِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِهِ، وَأَمَّا الْوَهْمُ فَزَائِلٌ بِظُهُورِ حَالِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَرُكُوبِ الْمَعَاصِي، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحْسِنُونَ صُنْعًا فَقَالُوا: أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَحْسَبُهُ صَالِحًا فَنَعْمَلَهُ. انْتَهَى. رُوِيَ أَنَّهُمْ يُجَابُونَ بَعْدَ مِقْدَارِ الدُّنْيَا: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ وَتَوْقِيفٍ وَتَقْرِيرٍ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ، أَيْ مُدَّةَ يَذَّكَّرُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: مَا يَذَّكَّرُ فِيهِ، مَنِ اذَّكَّرَ، بِالِادْغَامِ وَاجْتِلَابِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ مَلْفُوظًا بِهَا فِي الدَّرْجِ. وَهَذِهِ الْمُدَّةُ، قَالَ الْحَسَنُ:

الْبُلُوغُ، يُرِيدُ أَنَّهُ أَوَّلُ حَالِ التَّذَكُّرِ، وَقِيلَ: سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ قَتَادَةُ: ثَمَانِ عَشْرَةَ سنة.


(١) سورة المرسلات: ٧٧/ ٣٦.
(٢) سورة السجدة: ٣٢/ ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>