للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شركة في خلق السموات؟ أَمْ مَعَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَنْطِقُ بِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ؟ فَهُمْ عَلَى حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ، أَوْ يَكُونُ الضَّمِيرُ فِي آتَيْناهُمْ لِلْمُشْرِكِينَ لِقَوْلِهِ: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً «١» ، أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ «٢» .

بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ: وَهُمُ الرُّؤَسَاءُ، بَعْضاً: وَهُمُ الْأَتْبَاعُ، إِلَّا غُرُوراً وَهُوَ قَوْلُهُمْ: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ «٣» . انْتَهَى. أَمَّا قَوْلُهُ: أَرُونِي بَدَلٌ مِنْ أَرَأَيْتُمْ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إِذَا أُبْدِلَ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْأَدَاةِ عَلَى الْبَدَلِ، وَأَيْضًا فَإِبْدَالُ الْجُمْلَةِ مِنَ الْجُمْلَةِ لَمْ يُعْهَدْ فِي لِسَانِهِمْ، ثُمَّ الْبَدَلُ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ هُنَا، لِأَنَّهُ لَا عَامِلَ فِي أَرَأَيْتُمْ فَيُتَخَيَّلُ دُخُولُهُ عَلَى أَرُونِي. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي الْأَنْعَامِ عَلَى أَرَأَيْتُمْ كَلَامًا شَافِيًا. وَالَّذِي أَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّ أَرَأَيْتُمْ بِمَعْنَى أَخْبِرْنِي، وَهِيَ تَطْلُبُ مَفْعُولَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَنْصُوبٌ، وَالْآخَرُ مُشْتَمِلٌ عَلَى اسْتِفْهَامٍ. تَقُولُ الْعَرَبُ: أَرَأَيْتَ زَيْدًا مَا صَنَعَ؟ فَالْأَوَّلُ هُنَا هُوَ شُرَكاءَكُمُ، وَالثَّانِي مَاذَا خَلَقُوا، وَأَرُونِي جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ فِيهَا تَأْكِيدٌ لِلْكَلَامِ وَتَسْدِيدٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْأَعْمَالِ، لِأَنَّهُ تَوَارَدَ عَلَى مَاذَا خَلَقُوا، أَرَأَيْتُمْ وَأَرُونِي، لِأَنَّ أَرُونِي قَدْ تَعَلَّقَ عَلَى مَفْعُولِهَا فِي قَوْلِهِمْ: أَمَا تَرَى، أَيْ تَرَى هَاهُنَا، وَيَكُونُ قَدْ أُعْمِلَ الثاني على المختار عند الْبَصْرِيِّينَ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَأَيْتُمُ اسْتِفْهَامًا حَقِيقِيًّا، وَأَرُونِي أَمْرُ تَعْجِيزٍ لِلتَّبْيِينِ، أي أعملتم هَذِهِ الَّتِي تَدْعُونَهَا كَمَا هِيَ وَعَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنِ الْعَجْزِ، أَوْ تَتَوَهَّمُونَ فِيهَا قُدْرَةً؟ فَإِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَهَا عَاجِزَةً، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَهَا؟ أَوْ تَوَهَّمْتُمْ لَهَا قُدْرَةً، فَأَرُونِي قُدْرَتَهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ هِيَ، أَهِيَ فِي الْأَرْضِ؟

كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ اللَّهَ إِلَهٌ فِي السَّمَاءِ، وَهَؤُلَاءِ آلِهَةٌ فِي الْأَرْضِ. قَالُوا: وَفِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ صُوَرُهَا، أم في السموات؟ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ السَّمَاءَ خُلِقَتْ بِاسْتِعَانَةِ الْمَلَائِكَةِ، فَالْمَلَائِكَةُ شُرَكَاءُ فِي خَلْقِهَا، وَهَذِهِ الْأَصْنَامُ صُوَرُهَا، أَمْ قُدْرَتُهَا فِي الشَّفَاعَةِ لَكُمْ؟ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَا خَلَقُوا شَيْئًا، وَلَكِنَّهُمْ مُقَرَّبُونَ عِنْدَ اللَّهِ، فَنَعْبُدُهُمْ لِتَشْفَعَ لَنَا، فَهَلْ مَعَهُمْ مِنَ اللَّهِ كِتَابٌ فِيهِ إِذْنُهُ لَهُمْ بِالشَّفَاعَةِ؟ انْتَهَى. وَأَضَافَ الشُّرَكَاءُ إِلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ هُمْ جَعَلُوهُمْ شركاء لله، أَيْ لَيْسَ لِلْأَصْنَامِ شِرْكَةٌ بِوَجْهٍ إِلَّا بِقَوْلِهِمْ وَجَعْلِهِمْ، قِيلَ:

وَيُحْتَمَلُ شُرَكَاءُكُمْ فِي النَّارِ لِقَوْلِهِ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ «٤» .

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي آتَيْناهُمْ عَائِدٌ عَلَى الشُّرَكَاءِ، لِتُنَاسِبَ الضَّمَائِرَ، أي هل مع


(١) سورة الروم: ٣٠/ ٣٥.
(٢) سورة الزخرف: ٤٣/ ٢١.
(٣) سورة يونس: ١٠/ ١٨.
(٤) سورة الأنبياء: ٢١/ ٩٨. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>