للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جَعَلَ شُرَكَاءَ لِلَّهِ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ فِيهِ أَنَّ لَهُ شَفَاعَةً عِنْدَهُ؟ فَإِنَّهُ لا يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَقِيلَ:

عَائِدٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَيَكُونُ الْتِفَاتًا خَرَجَ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ إِعْرَاضًا عَنْهُمْ وَتَنْزِيلًا لَهُمْ مَنْزِلَةَ الْغَائِبِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ لِلْخِطَابِ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ عِبَادَةَ هَؤُلَاءِ إِمَّا بِالْعَقْلِ، وَلَا عَقْلَ لِمَنْ يَعْبُدُ مَا لَا يَخْلُقُ مِنَ الْأَرْضِ جُزْءًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَلَا لَهُ شِرْكٌ فِي السَّمَاءِ وَإِمَّا بِالنَّقْلِ، وَلَمْ نُؤْتِ الْمُشْرِكِينَ كِتَابًا فِيهِ أَمْرٌ بِعِبَادَةِ هَؤُلَاءِ، فَهَذِهِ عِبَادَةٌ لَا عَقْلِيَّةً وَلَا نَقْلِيَّةً.

انْتَهَى. وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَحَفْصٌ، وَأَبَانٌ عَنْ عَاصِمٍ: عَلى بَيِّنَةٍ، بِالْإِفْرَادِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِالْجَمْعِ.

وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى فَسَادَ أَمْرِ الْأَصْنَامِ وَوَقَفَ الْحُجَّةَ عَلَى بُطْلَانِهَا، عَقَّبَهُ بِذِكْرِ عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لِيَتَبَيَّنَ الشَّيْءُ بِضِدِّهِ، وَتَتَأَكَّدَ حَقَارَةُ الْأَصْنَامِ بِذِكْرِ عَظَمَةِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ تَنْتَقِلَا عن أماكنها وتسقط السموات عَنْ عُلُوِّهَا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ تَزُولَا عَنِ الدَّوَرَانِ. انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ أَنْ الْأَرْضَ لَا تَدُورُ.

وَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ السَّمَاءَ لَا تَدُورُ، وَإِنَّمَا تَجْرِي فِيهَا الْكَوَاكِبُ. وَقَالَ: كَفَى بِهَا زَوَالًا أَنْ تَدُورَ، وَلَوْ دَارَتْ لَكَانَتْ قَدْ زَالَتْ. وَأَنْ تَزُولَا فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ لَهُ، وَقُدِّرَ لِئَلَّا تَزُولَا، وَكَرَاهَةَ أَنْ تَزُولَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُمْسِكُ: يَمْنَعُ مِنْ أَنْ تَزُولَا، فَيَكُونُ مَفْعُولًا ثَانِيًا عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا، أَيْ يَمْنَعُ زَوَالَ السموات وَالْأَرْضِ، بَدَلَ اشْتِمَالٍ. وَلَئِنْ زالَتا: إِنْ تَدْخُلُ غَالِبًا عَلَى الْمُمْكِنِ، فَإِنْ قَدَّرْنَا دُخُولَهَا عَلَى الْمُمْكِنِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عِنْدَ طَيِّ السَّمَاءِ وَنَسْفِ الْجِبَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ، ثُمَّ وَاقِعٌ بِالْخَبَرِ الصَّادِقِ، أَيْ وَلَئِنْ جَاءَ وَقْتُ زَوَالِهِمَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، أَيْ وَلَئِنْ فَرَضْنَا زَوَالَهُمَا، فَيَكُونُ مِثْلَ لَوْ فِي الْمَعْنَى. وَقَدْ قَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: وَلَوْ زَالَتَا، وَإِنْ نَافِيَةٌ، وَأَمْسَكَهُمَا فِي مَعْنَى الْمُضَارِعِ جَوَابٌ لِلْقَسَمِ الْمُقَدَّرِ قَبْلَ لَامِ التَّوْطِئَةِ فِي لَئِنْ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمُضَارِعِ لِدُخُولِ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ، كَقَوْلِهِ: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ «١» . أَيْ مَا يَتَّبِعُونَ، وَكَقَوْلِهِ: وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا «٢» : أَيْ لَيَظَلُّوا، فَيُقَدَّرُ هَذَا كُلُّهُ مُضَارِعًا لِأَجْلِ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ، وَجَوَابُ إِنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ جَوَابِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وإِنْ أَمْسَكَهُما جَوَابُ الْقَسَمِ فِي وَلَئِنْ زالَتا، سَدَّ مَسَدَّ الْجَوَابَيْنِ. انْتَهَى، يَعْنِي أَنَّهُ دَلَّ عَلَى الْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ، وَإِنْ أُخِذَ كَلَامُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَوْ سَدَّ مَسَدَّهُمَا لَكَانَ لَهُ مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ بِاعْتِبَارِ


(١) سورة البقرة: ٢/ ١٤٥.
(٢) سورة الروم: ٣٠/ ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>