للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَوَابِ الشَّرْطِ، وَلَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ بِاعْتِبَارِ جَوَابِ الْقَسَمِ. وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مَعْمُولًا غَيْرَ معمول. ومن فِي مِنْ أَحَدٍ لِتَأْكِيدِ الاستغراق، وَمِنْ فِي مِنْ بَعْدِهِ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، أَيْ مِنْ بَعْدِ تَرْكِ إِمْسَاكِهِ. وَسَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَجُلًا أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ: مَنْ لَقِيتَ؟ قَالَ كَعْبًا، قَالَ: وَمَا سَمِعْتُهُ يقول؟ قال: إن السموات عَلَى مَنْكِبِ مَلَكٍ، قَالَ: كَذَبَ كَعْبٌ، أَمَا تَرَكَ يَهُودِيَّتَهُ بَعْدُ؟ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِجُنْدُبٍ الْبَجَلِيِّ، وَكَانَ رَجِلَ: أَيْ كَعْبُ الْأَحْبَارِ فِي كَلَامٍ آخِرُهُ مَا تَمَكَّنَتِ الْيَهُودِيَّةُ فِي قَلْبٍ وَكَادَتْ أَنْ تُفَارِقَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:

اتِّصَافُهُ بِالْحِلْمِ وَالْغُفْرَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ السَّمَاءَ كَادَتْ تَزُولُ، وَالْأَرْضَ كَذَلِكَ، لِإِشْرَاكِ الْكَفَرَةِ، فَيُمْسِكُهَا حُكْمًا مِنْهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَتَرَبُّصًا لِيَغْفِرَ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ فِي آخِرِ آيَةٍ أُخْرَى: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ «١» الْآيَةَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

حَلِيماً غَفُوراً، غَيْرَ مُعَاجِلٍ بِالْعُقُوبَةِ، حَيْثُ يُمْسِكُهَا، وَكَانَتَا جَدِيرَتَيْنِ بِأَنْ تُهَدْهِدَ الْعَظْمَ كَلِمَةُ الشِّرْكِ، كَمَا قَالَ تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ «٢» الْآيَةَ.

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً، اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا، أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً، وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً.

الضَّمِيرُ فِي وَأَقْسَمُوا لِقُرَيْشٍ. وَلَمَّا بَيَّنَ إِنْكَارَهُمْ لِلتَّوْحِيدِ، بَيَّنَ تَكْذِيبَهُمْ لِلرُّسُلِ.

قِيلَ: وَكَانُوا يَلْعَنُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى حَيْثُ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، وَقَالُوا: لَئِنْ أَتَانَا رَسُولٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى من إحدى الْأُمَمِ. فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَّبُوهُ. لَئِنْ جاءَهُمْ: حِكَايَةٌ لِمَعْنَى كَلَامِهِمْ لَا لِلَفْظِهِمْ، إِذْ لَوْ كَانَ اللَّفْظُ، لَكَانَ التَّرْكِيبُ لَئِنْ جَاءَنَا نَذِيرٌ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ، أَيْ مِنْ وَاحِدَةٍ مُهْتَدِيَةٍ مِنَ الْأُمَمِ، أَوْ مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا إِحْدَى الْأُمَمِ تَفْضِيلًا لَهَا عَلَى غَيْرِهَا، كَمَا قَالُوا: هُوَ أَحَدُ الْأَحَدَيْنِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَدِ، يُرِيدُونَ التَّفْضِيلَ فِي الدَّهَاءِ وَالْعَقْلِ بِحَيْثُ لَا نَظِيرَ لَهُ، وقال الشاعر:


(١) سورة مريم: ١٩/ ٩٠.
(٢) سورة مريم: ١٩/ ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>