للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى اسْتَشَارُوا فِيَّ أَحَدَ الأحد ... شاهد يرادا سِلَاحَ مَعَدِّ

فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ. مَا زادَهُمْ: أَيْ مَا زَادَهُمْ هُوَ أَوْ مَجِيئُهُ. إِلَّا نُفُوراً: بُعْدًا مِنَ الْحَقِّ وَهَرَبًا مِنْهُ. وَإِسْنَادُ الزِّيَادَةِ إِلَيْهِ مَجَازٌ، لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ فِي أَنْ زَادُوا أَنْفُسَهُمْ نُفُورًا، كَقَوْلِهِ:

فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ «١» ، وَصَارُوا أَضَلَّ مِمَّا كَانُوا. وَجَوَابُ لَمَّا: مَا زادَهُمْ، وَفِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى حَرْفِيَّةٍ لَمَّا لَا ظَرْفِيَّتِهَا، إِذْ لَوْ كَانَتْ ظَرْفًا، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى عَامِلِهَا الْمَنْفِيِّ بِمَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ «٢» ، وَفِي قَوْلِهِ: وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ «٣» . وَالظَّاهِرُ أَنَّ اسْتِكْباراً مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، أَيْ سَبَبُ النُّفُورِ وَهُوَ الِاسْتِكْبَارُ، وَمَكْرَ السَّيِّئِ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْتِكْباراً، فَهُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ أَيْضًا، أَيِ الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى الِابْتِعَادِ مِنَ الْحَقِّ هو الاستكبار والْمَكْرُ السَّيِّئُ، وَهُوَ الْخِدَاعُ الَّذِي تَرُومُونَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْكَيْدُ لَهُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَكْرُ السيء هُوَ الشِّرْكُ. وَقِيلَ: اسْتِكْباراً بَدَلٌ مِنْ نُفُوراً، وَقَالَهُ الْأَخْفَشُ. وَقِيلَ: حَالٌ، يَعْنِي مُسْتَكْبِرِينَ وَمَاكِرِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين، ومكر السيء مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ عَلَى الْأَصْلِ: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَمَكْرَ السَّيِّئِ مَعْطُوفًا عَلَى نُفُوراً. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: ومكر السيء، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْأَعْمَشُ، وَحَمْزَةُ: بِإِسْكَانِهَا، فَإِمَّا إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَإِمَّا إِسْكَانًا لِتَوَالِي الْحَرَكَاتِ وَإِجْرَاءٍ لِلْمُنْفَصِلِ مُجْرَى الْمُتَّصِلِ، كَقَوْلِهِ: لَنَا إِبِلَانِ. وَزَعَمَ الزَّجَّاجُ أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لَحْنٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا صَارَ لَحْنًا لِأَنَّهُ حَذَفَ الْإِعْرَابَ مِنْهُ.

وَزَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ إِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ فِي كَلَامٍ وَلَا شِعْرٍ، لِأَنَّ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ دَخَلَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَعَانِي، وَقَدْ أَعْظَمَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَنْ يَكُونَ الْأَعْمَشُ يَقْرَأُ بِهَذَا، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَقِفُ عَلَى مَنْ أَدَّى عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ، وَأَنَّ الثَّانِي لَمَّا لَمْ يَكُنْ تَمَامَ الْكَلَامِ أَعْرَبَهُ، وَالْحَرَكَةُ فِي الثَّانِي أَثْقَلُ مِنْهَا فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا ضَمَّةٌ بَيْنَ كَسْرَتَيْنِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ أَيْضًا: قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَمَكْرَ السيء مَوْقُوفًا عِنْدَ الْحُذَّاقِ بِيَاءَيْنِ لَحْنٌ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الشِّعْرِ لِلِاضْطِرَارِ. وَأَكْثَرَ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْحُجَّةِ مِنَ الِاسْتِشْهَادِ، وَالِاحْتِجَاجِ لِلْإِسْكَانِ مِنْ أَجْلِ تَوَالِي الْحَرَكَاتِ وَالِاضْطِرَارِ، وَالْوَصْلِ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ، قَالَ: فَإِذَا سَاغَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ القراءة


(١) سورة التوبة: ٩/ ١٢٥.
(٢) سورة سبأ: ٣٤/ ١٤.
(٣) سورة يوسف: ١٢/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>