عَظِيمِ آيَاتِي وَكَثْرَةِ خَلَائِقِي أَنِّي عَجِبْتُ مِنْهَا، فَكَيْفَ بِعِبَادِي وَهَؤُلَاءِ، لِجَهْلِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، يَسْخَرُونَ مِنْ آيَاتِي؟ أَوْ عَجِبْتُ مِنْ أَنْ يُنْكِرُوا الْبَعْثَ مِمَّنْ هَذِهِ أَفْعَالُهُ، وَهُمْ يَسْخَرُونَ بِمَنْ يَصِفُ اللَّهَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، قَالَ: وَيُجَرَّدُ الْعَجَبُ لِمَعْنَى الِاسْتِعْظَامِ، أَوْ يُخَيَّلُ الْعَجَبُ وَيُفْرَضُ. وَقِيلَ: هُوَ ضَمِيرُ الرَّسُولِ، أَيْ قُلْ بَلْ عَجِبْتُ. قَالَ مَكِّيٌّ، وَعَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ:
وَهُمْ يَسْخَرُونَ مِنْ نُبُوَّتِكَ وَالْحَقِّ الَّذِي عِنْدَكَ.
وَإِذا ذُكِّرُوا وَوُعِظُوا، لَا يَذْكُرُونَ، وَلَا يَتَّعِظُونَ. وَذَكَرَ جَنَاحُ بْنُ حُبَيْشٍ:
ذَكَرُوا، بِتَخْفِيفِ الْكَافِ.
رُوِيَ أَنَّ رُكَانَةَ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، لَقِيَهُ الرَّسُولُ فِي جَبَلٍ خَالٍ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ، وَكَانَ مِنْ أَقْوَى النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا رُكَانَةُ، أَرَأَيْتَ إِنْ صَرَعْتُكَ أَتُؤْمِنُ بِي» ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَصَرَعَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ آيَاتٍ مِنْ دُعَاءِ شَجَرَةٍ وَإِقْبَالِهَا، فَلَمْ يُؤْمِنْ، وَجَاءَ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، سَاحِرُوا بِصَاحِبِكُمْ أَهْلَ الْأَرْضِ، فَنَزَلَتْ فِيهِ
وَفِي نُظَرَائِهِ: وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ. قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: يَسْخَرُونَ، يَكُونُ اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى الْمُجَرَّدِ. وَقِيلَ: فِيهِ مَعْنَى الطَّلَبِ، أَيْ يَطْلُبُونَ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَسْخَرُونَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُبَالِغُونَ فِي السُّخْرِيَةِ، أَوْ يَسْتَدْعِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أَنْ يَسْخَرَ مِنْهَا.
وقرىء: يَسْتَسْحِرُونَ، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَا قَالَ ركانة لأسحر الرَّسُولَ.
وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى مَا ظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ الْخَارِقِ الْمُعْجِزِ.
وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي كَسْرِ مِيمِ مِتْنا وَضَمِّهَا. ومن قرأ: أَإِذا بِالِاسْتِفْهَامِ، فَجَوَابُ إِذَا مَحْذُوفٌ، أَيْ نُبْعَثُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوْ يُعَرَّى عَنِ الشَّرْطِ وَيَكُونُ ظَرْفًا مَحْضًا، وَيُقَدَّرُ الْعَامِلُ: أَنُبْعَثُ إِذَا مِتْنَا؟ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَوَآباؤُنَا بِفَتْحِ الْوَاوِ فِي أَوَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَنَافِعٌ فِي رِوَايَةِ قَالُونَ: بِالسُّكُونِ، فَهِيَ حَرْفُ عَطْفٍ، وَمَنْ فتح فالواو حرف عَطْفٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوَآباؤُنَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ إِنَّ وَاسْمِهَا، أَوْ عَلَى الضَّمِيرِ فِي مَبْعُوثُونَ. وَالَّذِي جَوَّزَ الْعَطْفَ عَلَيْهِ الْفَصْلُ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمَعْنَى: أَيُبْعَثُ أَيْضًا آبَاؤُنَا؟ عَلَى زِيَادَةِ الِاسْتِبْعَادِ، يَعْنُونَ أَنَّهُمْ أَقْدَمُ، فَبَعْثُهُمْ أَبْعَدُ وَأَبْطَلُ. انْتَهَى. أَمَّا قَوْلُهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ إِنَّ وَاسْمِهَا فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ خِلَافُهُ، لِأَنَّ قَوْلَكَ: إِنَّ زَيْدًا قَائِمٌ وَعَمْرٌو، فِيهِ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ على الضمير في لَمَبْعُوثُونَ إِلَى آخِرِهِ، فَلَا يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى الضَّمِيرِ، لِأَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ لَا تَدْخُلُ إِلَّا عَلَى الْجُمَلِ، لَا عَلَى الْمُفْرَدِ، لِأَنَّهُ إِذَا عُطِفَ عَلَى الْمُفْرَدِ كَانَ الْفِعْلُ عَامِلًا فِي الْمُفْرَدِ بِوَسَاطَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَعْمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute