للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ، إِذَا أَخَذْتَهُ كَمَا هُوَ بِجُمْلَتِهِ وَمَجْمُوعِهِ تَصْوِيرُ عَظَمَتِهِ وَالتَّوْقِيفُ عَلَى كُنْهِ جَلَالِهِ لَا غَيْرَ، مِنْ غَيْرِ ذَهَابٍ بِالْقَبْضَةِ وَلَا بِالْيَمِينِ إِلَى جِهَةِ حَقِيقَةٍ أَوْ جِهَةِ مَجَازٍ. انْتَهَى. وَيَعْنِي: أَوْ جِهَةِ مَجَازٍ مُعَيَّنٍ، وَالْإِخْبَارُ: التَّصْوِيرُ، وَالتَّخْيِيلُ هُوَ مِنَ الْمَجَازِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ عَلَى تَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَيْهَا، تَعَيَّنَ صَرْفُهُ إِلَى الْمَجَازِ. فَلَفْظُ الْقَبْضَةِ وَالْيَمِينِ حَقِيقَةٌ فِي الْجَارِحَةِ، وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ قَائِمٌ عَلَى امْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْأَعْضَاءِ وَالْجَوَارِحِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ: فُلَانٌ فِي قَبْضَةِ فُلَانٍ، إِذَا كَانَ تَحْتَ تَدْبِيرِهِ وَتَسْخِيرِهِ، وَمِنْهُ: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ «١» ، فَالْمُرَادُ كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لَهُمْ، وَهَذِهِ الدَّارُ فِي يَدِ فُلَانٍ، وَقَبَضَ فُلَانٌ كَذَا، وَصَارَ فِي قَبْضَتِهِ، يُرِيدُونَ خُلُوصَ مِلْكِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَجَازٌ مُسْتَفِيضٌ مُسْتَعْمَلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْيَمِينُ هُنَا وَالْقَبْضَةُ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ، وَمَا اخْتَلَجَ فِي الصَّدْرِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ بَاطِلٌ. وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي، يَعْنِي ابْنُ الطَّيِّبِ، مِنْ أَنَّهَا صِفَاتٌ زَائِدَةٌ عَلَى صِفَاتِ الذَّاتِ، قَوْلٌ ضعيف، ويحسب مَا يَخْتَلِجُ فِي النُّفُوسِ الَّتِي لَمْ يُحْصِهَا الْعِلْمُ.

قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ: أَيْ مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ الشُّبَهِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَفَّالُ: هَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ: وَمَا قَدَّرَنِي حَقَّ قَدْرِي، وَأَنَا الَّذِي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، أَيْ لَمَّا عَرَفْتَ أَنَّ حَالِي وَصِفَتِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ، وجب أن لا تخطىء عَنْ قَدْرِي وَمَنْزِلَتِي، وَنَظِيرُهُ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ «٢» ، أَيْ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَحَالُ مُلْكِهِ؟ فَكَذَا هُنَا، وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ: أَيْ زَعَمُوا أَنَّ لَهُ شُرَكَاءً، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، مع أن الأرض والسموات فِي قَبْضَةِ قُدْرَتِهِ.

انْتَهَى. وَالْأَرْضُ: أَيْ وَالْأَرْضُونَ السَّبْعِ، وَلِذَلِكَ أَكَّدَ بِقَوْلِهِ: جَمِيعاً، وَعَطَفَ عَلَيْهِ وَالسَّماواتُ، وَهُوَ جَمْعٌ، وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَفْخِيمٍ، فَهُوَ مُقْتَضِ الْمُبَالَغَةَ. وَالْقَبْضَةُ:

الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْقَبْضِ، وَبِالضَّمِّ: الْمِقْدَارُ الْمَقْبُوضُ بِالْكَفِّ، وَيُقَالُ فِي الْمِقْدَارِ: قَبْضَتَهُ بِالْفَتْحِ، تَسْمِيَةٌ لَهُ بِالْقَدْرِ، فَاحْتَمَلَ هُنَا هَذَا الْمَعْنَى. وَاحْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ الْمَصْدَرُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ ذَوَاتُ قَبْضَةٍ، أَيْ يَقْبِضُهُنَّ قَبْضَةً وَاحِدَةً، فَالْأَرْضُونَ مَعَ سِعَتِهَا وَبَسْطَتِهَا لَا يَبْلُغْنَ إِلَّا قَبْضَةَ كَفٍّ، وَانْتَصَبَ جَمِيعًا عَلَى الْحَالِ. قَالَ الْحَوْفِيُّ: وَالْعَامِلُ فِي الْحَالِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَبْضَتُهُ انْتَهَى. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ قَبْضَتُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مَصْدَرًا، أَمْ أُرِيدَ بِهِ الْمِقْدَارُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَعَ الْقَصْدِ إِلَى الْجَمْعِ يَعْنِي فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ أريد بها الجمع


(١) سورة النساء: ٤/ ٣.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>