للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَتَأْكِيدُهُ بِالْجَمِيعِ، أَتْبَعَ الْجَمِيعَ مُؤَكِّدَةً قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، لِيُعْلَمَ أَوَّلُ الْأَمْرِ أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي يَرِدُ لَا يَقَعُ عَنْ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنْ عَنِ الْأَرَاضِي كُلِّهِنَّ. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَامِلُ فِي الْحَالِ، ويوم الْقِيَامَةِ مَعْمُولٌ لِقَبْضَتِهِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: قَبْضَتُهُ بِالنَّصْبِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: بِتَقْدِيرِ فِي قَبْضَتِهِ، هَذَا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ. وَأَمَّا أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَلَا يُجِيزُونَ ذَلِكَ، كَمَا لَا يُقَالُ: زَيْدٌ دَارًا انْتَهَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جَعَلَهَا ظَرْفًا مُشَبِّهًا لِلْوَقْتِ بِالْمُبْهَمِ. وَقَرَأَ عِيسَى، وَالْجَحْدَرِيُّ: مَطْوِيَّاتٌ بِالنَّصْبِ على الحال، وعطف والسموات عَلَى الْأَرْضُ، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي حَيِّزِ وَالْأَرْضُ، فَالْجَمِيعُ قَبَضْتُهُ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْأَخْفَشُ عَلَى جَوَازِ: زَيْدٌ قَائِمًا فِي الدَّارِ، إذ أعرب والسموات مبتدأ، وبيمينه الْخَبَرُ، وَتَقَدَّمَتِ الْحَالُ وَالْمَجْرُورُ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إِذْ يكون والسموات مَعْطُوفًا عَلَى وَالْأَرْضُ، كَمَا قلنا، وبيمينه متعلق بمطويات، ومطويات: مِنَ الطَّيِّ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّشْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ «١» ، وَعَادَةُ طَاوِي السِّجِلِّ أَنْ يَطْوِيَهُ بِيَمِينِهِ. وَقِيلَ: قَبَضَتُهُ مِلْكُهُ بِلَا مُدَافِعٍ وَلَا مُنَازِعٍ، وَبِيَمِينِهِ: وَبِقُدْرَتِهِ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقِيلَ: مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ: مُفْنَيَاتٌ بِقَسَمِهِ، لِأَنَّهُ أَقْسَمَ أَنَّ يُفْنِيَهَا ثُمَّ أَخَذَ يُنَحِّي عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ عَظَمَتَهُ بِمَا سَبَقَ إِرْدَافُهُ أَيْضًا بِمَا يُنَاسِبُ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ فِيمَا تَقَدَّمَ ذَكَرَ حَالَ الْأَرْضِ والسموات يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ، وَهَلِ النَّفْخُ فِي الصُّورِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ أَوْ نَفْخَتَانِ؟ قَوْلُ الْجُمْهُورِ:

فَنَفْخَةُ الْفَزَعِ هِيَ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالصَّعْقُ هُنَا الْمَوْتُ، أَيْ فَمَاتَ مَنْ فِي السموات وَمَنْ فِي الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالصُّورُ هُنَا: الْقَرْنُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَا غَيْرُ هَذَا. وَمَنْ يَقُولُ: الصُّورُ جَمْعُ صُورَةٍ، فَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ قَوْلُهُ فِي نَفْخَةِ الْبَعْثِ. وَرُوِيَ أَنَّ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعِينَ. انْتَهَى، وَلَمْ يُعَيَّنْ. وَقِرَاءَةُ قَتَادَةَ، وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ هُنَا: فِي الصُّوَرِ، بِفَتْحِ الْوَاوِ جمع صُورَةٍ، يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ، لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَرْنُ، بَلْ يَكُونُ هَذَا النَّفْخُ فِي الصُّورِ مَجَازًا عَنْ مُشَارَفَةِ الْمَوْتِ وخروج الروح. وقرىء: فَصَعِقَ بِضَمِّ الصَّادِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعْنَاهُ: إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يُصْعَقْ: أَيْ لَمْ يَمُتْ، والمستثنون: جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ، أَوْ رَضْوَانُ خَازِنُ الجنة، والحور، ومالك، والزبانية أَوِ الْمُسْتَثْنَى اللَّهُ، أَقْوَالٌ آخِرُهَا لِلْحَسَنِ، وَمَا قَبْلَهُ لِلضَّحَّاكِ. وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى مَنْ مَاتَ قَبْلَ الصَّعْقَةِ الْأُولَى، أَيْ يَمُوتُ من في السموات وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ سَبَقَ موته، لأنهم


(١) سورة الأنبياء: ٢١/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>