للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَمَلِكٌ بَدَلٌ مِنْ عَمْرٍو، بَدَلَ نَكِرَةٍ مِنْ مَعْرِفَةٍ، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ لَا يَكُونُ بَدَلًا مِنَ ابْنِ أُمِّ أُنَاسٍ؟ قُلْتُ: لِأَنَّهُ قَدْ أَبْدَلَ مِنْهُ عَمْرٌو، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى، لِأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ. انْتَهَى. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْبَدَلَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَيَتَّحِدُ الْمُبْدَلُ مِنْهُ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَدَلَ مِنَ الْبَدَلِ جَائِزٌ، وَقَوْلُهُ: جَاءَتْ تَفَاعِيلُهَا، هُوَ جَمْعُ تِفْعَالٍ أَوْ تَفْعُولٍ أَوْ تِفْعُولٍ أَوْ تَفْعِيلٍ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْزَانِ يَكُونُ مَعْدُولًا فِي آخِرِ الْعَرُوضِ، بَلْ أَجْزَاؤُهَا مُنْحَصِرَةٌ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْزَانِ، فَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: جَاءَتْ أَجْزَاؤُهَا كُلُّهَا عَلَى مُسْتَفْعِلُنْ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ أَيْضًا: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هِيَ صِفَاتٌ، وَإِنَّمَا حُذِفَتِ الْأَلِفُ واللام من شديد العقاب لِيُزَاوِجَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ لَفْظًا، فَقَدْ غَيَّرُوا كَثِيرًا مِنْ كَلَامِهِمْ عَنْ قَوَانِينِهِ لِأَجْلِ الِازْدِوَاجِ، حَتَّى قَالُوا: مَا يَعْرِفُ سُحادِلَيْهِ من عُنادِلَيْهِ، فَثَنُّوا مَا هُوَ وِتْرٌ لِأَجْلِ مَا هُوَ شَفْعٌ. عَلَى أَنَّ الْخَلِيلَ قَالَ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَحْسُنُ بِالرَّجُلِ مِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَيَحْسُنَ بِالرَّجُلِ خَيْرٍ مِنْكَ أَنْ يَفْعَلَ، عَلَى نِيَّةِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ، كَمَا كَانَ الْجَمَّاءُ الْغَفِيرُ عَلَى نِيَّةِ طَرْحِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ. وَمِمَّا يُسَهِّلُ ذَلِكَ أَمْنُ اللَّبْسِ وَجَهَالَةُ الْمَوْصُوفِ. انْتَهَى. وَلَا ضَرُورَةَ إِلَى اعْتِقَادِ حَذْفِ الْأَلِفِ واللام من شديد العقاب، وَتَرْكِ مَا هُوَ أَصْلٌ فِي النَّحْوِ، وَتَشْبِيهٍ بِنَادِرٍ مُغَيَّرٍ عَنِ الْقَوَانِينِ مِنْ تَثْنِيَةِ الْوِتْرِ لِلشَّفْعِ، وَيُنَزَّهُ كِتَابُ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ كُلَّهُ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قَدْ تَعَمَّدَ تَنْكِيرَهُ وَإِبْهَامَهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى فَرْطِ الشِّدَّةِ، وَعَلَى مَا لَا شَيْءَ أَدْهَى مِنْهُ، وَأَمْرٌ لِزِيَادَةِ الْإِنْذَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ النُّكْتَةُ هِيَ الدَّاعِيَةُ إِلَى اخْتِيَارِ الْبَدَلِ عَلَى الْوَصْفِ إِذَا سَلَكْتَ طَرِيقَةَ الْإِبْدَالِ. انْتَهَى. وَأَجَازَ مَكِّيٌّ فِي غَافِرِ وقابل الْبَدَلَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُمَا نَكِرَتَانِ لِاسْتِقْبَالِهِمَا، وَالْوَصْفُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُمَا مَعْرِفَتَانِ لِمُضِيِّهِمَا.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: لَا نِزَاعَ فِي جعل غافر وقابل صِفَةً، وَإِنَّمَا كَانَا كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمَا يُفِيدَانِ مَعْنَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ، وَكَذَلِكَ شَدِيدِ الْعِقَابِ تُفِيدُ ذَلِكَ، لِأَنَّ صِفَاتَهُ مُنَزَّهَةٌ عَنِ الْحُدُوثِ وَالتَّجَدُّدِ، فَمَعْنَاهُ: كَوْنُهُ بِحَيْثُ شَدِيدٌ عِقَابُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ أَبَدًا، لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. انْتَهَى. وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى عِلْمِ النَّحْوُ، وَلَا نَظَرَ فِيهِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ «١» ، وَمَلِيكٌ مُقْتَدِرٌ مِنْ قَوْلِهِ:

عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ «٢» ، مَعَارِفَ لِتَنْزِيهِ صِفَاتِهِ عَنِ الْحُدُوثِ وَالتَّجَدُّدِ، وَلِأَنَّهَا صِفَاتٌ لَمْ تَحْصُلْ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَيَكُونُ تَعْرِيفُ صِفَاتٍ بِأَلْ وَتَنْكِيرُهَا سَوَاءً، وَهَذَا لَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مبتدىء فِي عِلْمِ النَّحْوِ، فَضْلًا عَمَّنْ صَنَّفَ فِيهِ، وَقَدِمَ عَلَى تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ.


(١) سورة النمل: ٢٧/ ٦.
(٢) سورة القمر: ٥٤/ ٥٥. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>