أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ، قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ، فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَمُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا، أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ مَا قَبْلَهَا: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ «١» إِلَى آخِرِهَا، فَضَمَّنَ وَعِيدًا وَتَهْدِيدًا وَتَقْرِيعًا لِقُرَيْشٍ، فَأَتْبَعَ ذَلِكَ التَّقْرِيعَ وَالتَّوْبِيخَ وَالتَّهْدِيدَ بِتَوْبِيخٍ آخَرَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ نَزَّلَ كِتَابًا مُفَصَّلًا آيَاتُهُ، بَشِيرًا لِمَنِ اتَّبَعَهُ، وَنَذِيرًا لِمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَأَنَّ أَكْثَرَ قُرَيْشٍ أَعْرَضُوا عَنْهُ. ثُمَّ ذَكَرَ قُدْرَةَ الْإِلَهِ عَلَى إِيجَادِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ. ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً، فَكَانَ هَذَا كُلُّهُ مُنَاسِبًا لِآخِرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِ مِنْ عَدَمِ انْتِفَاعِ مُكَذِّبِي الرُّسُلِ حِينَ الْتَبَسَ بِهِمُ الْعَذَابُ، وَكَذَلِكَ قُرَيْشٌ حَلَّ بِصَنَادِيدِهَا مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ وَالسَّبْيِ، وَاسْتِئْصَالِ أَعْدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَلَّ بِعَادٍ وَثَمُودَ مِنَ اسْتِئْصَالِهِمْ.
رُوِيَ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيُعَظِّمَ عَلَيْهِ أَمْرَ مُخَالَفَتِهِ لِقَوْمِهِ، وَلِيُقَبِّحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَلِيُبْعِدَ مَا جَاءَ بِهِ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ عُتْبَةُ، قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
حم، وَمَرَّ فِي صَدْرِهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ، فَأَرْعَدَ الشَّيْخُ وَوَقَفَ شَعْرُهُ، فَأَمْسَكَ عَلَى فَمِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَنَاشَدَهُ بِالرَّحِمِ أَنْ يُمْسِكَ، وَقَالَ حِينَ فَارَقَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ شَيْئًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ وَلَا بِالسَّحَرِ وَلَا بِالْكِهَانَةِ، وَلَقَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ صَاعِقَةَ الْعَذَابِ عَلَى رَأْسِي.
تَنْزِيلٌ، رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هَذَا تَنْزِيلٌ عِنْدَ الْفَرَّاءِ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كِتابٌ فُصِّلَتْ، عِنْدَ الزَّجَّاجِ وَالْحَوْفِيِّ، وَخَبَرٌ حم إِذَا كَانَتِ اسما للسورة، وكتاب عَلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ بَدَلٌ مِنْ تَنْزِيلٌ.
قِيلَ: أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. فُصِّلَتْ آياتُهُ، قَالَ السُّدِّيُّ: بُيِّنَتْ آيَاتُهُ، أَيْ فُسِّرَتْ مَعَانِيهِ، فَفُصِلَ بَيْنَ حَرَامِهِ وَحَلَالِهِ، وَزَجْرِهِ وَأَمْرِهِ، وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ. وَقِيلَ: فُصِّلَتْ فِي التَّنْزِيلِ: أي
(١) سورة غافر: ٤٠/ ٨٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute