لَمْ تَنْزِلْ جُمْلَةً وَاحِدَةً. قَالَ الْحَسَنُ: بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بَيْنَ محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَمَنْ خَالَفَهُ. وَقِيلَ: فُصِّلَتْ بِالْمَوَاقِفِ وَأَنْوَاعِ، أَوَاخِرِ الْآيِ، وَلَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى قَافِيَةٍ وَلَا نَحْوِهَا، كَالشِّعْرِ وَالسَّجْعِ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: مُيِّزَتْ آيَاتُهُ، وَجُعِلَ تَفَاصِيلَ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَبَعْضُهَا فِي وَصْفِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَرْحِ صِفَاتِ التَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ، وَشَرْحِ كَمَالِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَعَجَائِبِ أَحْوَالِ خَلْقِهِ السموات وَالْكَوَاكِبِ، وَتَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَعَجَائِبِ أَحْوَالِ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ وَالْإِنْسَانِ وَبَعْضُهَا فِي أَحْوَالِ التَّكَالِيفِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْقَلْبِ وَنَحْوَ الْجَوَارِحِ، وَبَعْضُهَا فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَدَرَجَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَدَرَكَاتِ أَهْلِ النَّارِ وَبَعْضُهَا فِي الْمَوَاعِظِ وَالنَّصَائِحِ وَبَعْضُهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَرِيَاضَةِ النَّفْسِ وَبَعْضُهَا فِي قَصَصِ الْأَوَّلِينَ وَتَوَارِيخِ الْمَاضِينَ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَمَنْ أَنْصَفَ، عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ كِتَابٌ اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْمَبَاحِثِ الْمُتَبَايِنَةِ مِثْلُ مَا في القرآن. انتهى.
وقرىء: فَصَلَتْ، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالصَّادُ مُخَفَّفَةٌ، أَيْ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَوْ فَصَلَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ بِاخْتِلَافِ مَعَانِيهَا، مِنْ قَوْلِهِ: فَصَلَتِ الْعِيرُ «١» : أَيِ انْفَصَلَتْ، وَفَصَلَ مِنَ الْبَلَدِ: أَيِ انْفَصَلَ مِنْهُ، وَانْتَصَبَ قُرْآناً عَلَى أَنَّهُ حَالٌ بِنَفْسِهِ، وَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ، لِأَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ، أَوْ تَوْطِئَةٌ لِلْحَالِ بَعْدَهُ، وَهِيَ عَرَبِيًّا، أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ يَقْرَؤُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، أَوْ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْمَدْحِ. وَمَنْ جَعَلَهُ حَالًا فَقِيلَ: ذُو الْحَالِ آيَاتُهُ، وَقِيلَ: كِتَابٌ، لِأَنَّهُ وُصِفَ بِقَوْلِهِ: فُصِّلَتْ آياتُهُ، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: فَصَّلْنَاهُ قُرْآنًا، أَوْ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِفُصِّلَتْ، أَقْوَالٌ سِتَّةٌ آخرها للأخفش. ولِقَوْمٍ متعلق بفصلت، أَيْ يَعْلَمُونَ الْأَشْيَاءَ، وَيَعْقِلُونَ الدَّلَائِلَ، فَكَأَنَّهُ فُصِّلَ لِهَؤُلَاءِ، إِذْ هُمْ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَخُصُّوا بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا، وَمَنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالتَّفْصِيلِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُفَصَّلْ لَهُ وَيَبْعُدُ أن يتعلق بتنزيل لِكَوْنِهِ وُصِفَ فِي أَحَدِ مُتَعَلِّقَيْهِ، إِنْ كَانَ مِنَ الرَّحْمَنِ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، أَوْ أُبْدِلَ مِنْهُ كِتَابٌ، أَوْ كَانَ خَبَرَ التَّنْزِيلِ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْبَدَلَ مِنَ الْمَوْصُولِ، وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ قَبْلَ أَخْذِهِ مُتَعَلِّقَهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ: لِقَوْمٍ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ: عَرَبِيًّا، أَيْ كَائِنًا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أَلْفَاظَهُ وَيَتَحَقَّقُونَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ نَمَطِ كَلَامِهِمْ، وَكَأَنَّهُ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَانْتَصَبَ بَشِيراً وَنَذِيراً على النعت لقرآنا عَرَبِيًّا، وَقِيلَ: حَالٌ مِنْ آيَاتُهُ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: بشير
(١) سورة يوسف: ١٢/ ٩٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute