للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُعُلٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَهُوَ بِنَاءٌ نَادِرٌ فِي الثُّلَاثِيِّ الْيَائِيِّ الْعَيْنِ، لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا قَوْلَهُمْ: هَيُؤَ الرجل، فهو هيىء، إِذَا حَسُنَتْ هَيْئَتُهُ. وَأَحْكَامُ لَيْسَ كَثِيرَةٌ مَشْرُوحَةٌ فِي كُتُبِ النَّحْوِ.

الْحُكْمُ: الْفَصْلُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَاضِي: الْحَاكِمَ، لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ. الاختلاف:

ضد الاتفاق.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: هَذَا أَوَّلُ خِطَابٍ خُوطِبَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، بِالنِّدَاءِ الدَّالِّ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ نِدَاءٍ جَاءَ أَتَى عامّا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ «١» ، وَثَانِيَ نِدَاءٍ أَتَى خاصا: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا»

، وَهِيَ الطَّائِفَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَى الْمِلَّتَيْنِ: الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَثَالِثَ نِدَاءٍ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَكَانَ أَوَّلُ نِدَاءٍ عَامًّا، أُمِرُوا فِيهِ بِأَصْلِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ. وَثَانِيَ نِدَاءٍ، ذُكِّرُوا فِيهِ بِالنِّعَمِ الْجَزِيلَةِ، وَتُعُبِّدُوا بِالتَّكَالِيفِ الْجَلِيلَةِ، وَخُوِّفُوا مِنْ حُلُولِ النِّقَمِ الْوَبِيلَةِ وَثَالِثَ نِدَاءٍ:

عُلِّمُوا فِيهِ أَدَبًا مِنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ مَعَ نَبِيِّهِمْ، إِذْ قَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ عِبَادَةُ اللَّهِ، وَالتَّذْكِيرُ بِالنِّعَمِ، وَالتَّخْوِيفُ مِنَ النِّقَمِ، وَالِاتِّعَاظُ بِمَنْ سَبَقَ مِنَ الْأُمَمِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا أُمِرُوا بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّكْمِيلِ، مِنْ تَعْظِيمِ مَنْ كَانَتْ هِدَايَتُهُمْ عَلَى يَدَيْهِ. وَالتَّبْجِيلُ وَالْخِطَابُ بِيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ فِي عَصْرِهِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ حَيْثُ جَاءَ هَذَا الْخِطَابُ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَحَيْثُ وَرَدَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَالْمُرَادُ أَهْلُ مَكَّةَ.

لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا: بدىء بِالنَّهْيِ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ، فَهُوَ أَسْهَلُ.

ثُمَّ أُتِيَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ الَّذِي هُوَ أَشَقُّ لِحُصُولِ الِاسْتِئْنَاسِ، قبل بالنهي. ثُمَّ لَمْ يَكُنْ نَهْيًا عَنْ شَيْءٍ سَبَقَ تَحْرِيمُهُ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ لَفْظَةُ الْمُفَاعَلَةِ تَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ غَالِبًا، فَصَارَ الْمَعْنَى:

لِيَقَعْ مِنْكَ رَعْيٌ لَنَا وَمِنَّا رَعْيٌ لَكَ، وَهَذَا فِيهِ مَا لَا يَخْفَى مَعَ مَنْ يُعَظَّمُ نُهُوا عَنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَأُمِرُوا بِأَنْ يَقُولُوا: انْظُرْنَا، إِذْ هُوَ فِعْلٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، لَا مُشَارَكَةَ لَهُمْ فِيهِ مَعَهُ.

وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: رَاعِنَا. وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وَقِرَاءَتِهِ، وَقِرَاءَةِ أُبَيٍّ: رَاعُونَا، عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ لِضَمِيرِ الْجَمْعِ. وَذُكِرَ أَيْضًا أَنَّ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: ارْعَوْنَا. خَاطَبُوهُ بِذَلِكَ إِكْبَارًا وَتَعْظِيمًا، إِذْ أَقَامُوهُ مُقَامَ الْجَمْعِ. وَتَضَمَّنَ هَذَا النَّهْيُ، النَّهْيَ عَنْ كُلِّ مَا يَكُونُ فِيهِ اسْتِوَاءٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: رَاعِنًا بِالتَّنْوِينِ، جعله


(١) سورة البقرة: ٢/ ٢١.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>