للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ قَوْلًا رَاعِنًا، وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ النَّسَبِ كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ. لَمَّا كَانَ الْقَوْلُ سَبَبًا في السبب، اتَّصَفَ بِالرَّعْنِ، فَنُهُوا فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عَنْ أَنْ يُخَاطِبُوا الرَّسُولَ بِلَفْظٍ يَكُونُ فِيهِ، أَوْ يُوهِمُ شَيْئًا مِنَ الْغَضِّ، مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّعْظِيمِ وَتَلْطِيفِ الْقَوْلِ وَأَدَبِهِ.

وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ تَقْصِدُ بِذَلِكَ، إِذْ خَاطَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّعُونَةَ، وَكَذَا قِيلَ فِي رَاعُونًا، إِنَّهُ فَاعُولًا مِنَ الرُّعُونَةِ، كَعَاشُورًا. وَقِيلَ:

كَانَتْ لِلْيَهُودِ كَلِمَةٌ عِبْرَانِيَّةٌ، أَوْ سِرْيَانِيَّةٌ يَتَسَابُّونَ بِهَا وَهِيَ: رَاعِينَا، فَلَمَّا سَمِعُوا بِقَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ رَاعِنَا، اقْتَرَضُوهُ وَخَاطَبُوا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يَعْنُونَ تِلْكَ الْمَسَبَّةَ، فَنُهِيَ الْمُؤْمِنُونَ عَنْهَا، وَأُمِرُوا بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا. وَمَنْ زَعَمَ أَنْ رَاعِنَا لُغَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَنْصَارِ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْفُوظٌ فِي جَمِيعِ لُغَةِ الْعَرَبِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِفِعْلٍ قَدْ كَانَ مُبَاحًا، لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ شَرْعًا مُتَقَرَّرًا قَبْلُ. وَقِيلَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا غَيْرُ ذَلِكَ. وَبِالْجُمْلَةِ، فَهِيَ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: كَلِمَةٌ كَرِهَهَا اللَّهُ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا نَبِيُّهُ،

كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُولُوا عَبْدِي وَأَمَتِي وَقُولُوا فَتَايَ وَفَتَاتِي وَلَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ» .

وَذُكِرَ فِي النَّهْيِ وُجُوهٌ: أَنَّ مَعْنَاهَا اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ، أَوْ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا يَقُولُونَهَا عِنْدَ الْمَفَرِّ، قَالَهُ قُطْرُبٌ، أَوْ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ: رَاعِينَا أَيْ رَاعِي غَنَمِنَا، أَوْ أَنَّهُ مُفَاعَلَةٌ فَيُوهِمُ مُسَاوَاةً، أَوْ مَعْنَاهُ رَاعِ كَلَامَنَا وَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ، أَوْ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنَ الرُّعُونَةِ. وَقَوْلُهُ: انْظُرْنَا، قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ، مَوْصُولُ الْهَمْزَةِ، مَضْمُومُ الظَّاءِ، مِنَ النَّظْرَةِ، وَهِيَ التَّأْخِيرُ، أَيِ انْتَظِرْنَا وَتَأَنَّ عَلَيْنَا، نَحْوُ قَوْلِهِ:

فَإِنَّكُمَا إِنْ تُنْظِرَانِيَ سَاعَةً ... مِنَ الدَّهْرِ تَنْفَعْنِي لَدَى أُمِّ جُنْدَبِ

أَوْ مِنَ النَّظَرِ، وَاتُّسِعَ فِي الْفِعْلِ فَعُدِّيَ بِنَفْسِهِ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَتَعَدَّى بِإِلَى، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

ظَاهِرَاتُ الْجَمَالِ وَالْحُسْنِ يَنْظُرْ ... نَ كَمَا يَنْظُرُ الْأَرَاكَ الظِّبَاءُ

يُرِيدُ: إِلَى الْأَرَاكِ، وَمَعْنَاهُ: تَفَقَّدْنَا بِنَظَرِكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ فَهِّمْنَا وَبَيِّنْ لَنَا، فُسِّرَ بِاللَّازِمِ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ انْظُرْ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الرِّفْقِ وَالْإِمْهَالِ عَلَى السَّائِلِ، وَالتَّأَنِّي بِهِ أَنْ يَفْهَمَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ نَظَرِ الْبَصِيرَةِ بِالتَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْمَنْظُورِ فِيهِ، فَاتُّسِعَ فِي الْفِعْلِ أَيْضًا، إِذْ أَصْلُهُ أَنْ يَتَعَدَّى بِفِي، وَيَكُونَ أَيْضًا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيِ انْظُرْ فِي أَمْرِنَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذِهِ لَفْظَةٌ مُخْلَصَةٌ لِتَعْظِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالظَّاهِرُ عِنْدِي اسْتِدْعَاءُ نَظَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>