الْعَيْنِ الْمُقْتَرِنِ بِتَدَبُّرِ الْحَالِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى: رَاعِنَا، فَبُدِّلَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ اللَّفْظَةُ، لِيَزُولَ تَعَلُّقُ الْيَهُودِ. انْتَهَى. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَالْأَعْمَشُ: أَنْظِرْنَا، بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ، مِنَ الْإِنْظَارِ، وَمَعْنَاهُ: أَخِّرْنَا وَأَمْهِلْنَا حَتَّى نَتَلَقَّى عَنْكَ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَشْهَدُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ.
وَاسْمَعُوا: أَيْ سَمَاعَ قَبُولٍ وَطَاعَةٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اقْبَلُوا. وَقِيلَ: فَرِّغُوا أَسْمَاعَكُمْ حَتَّى لَا تَحْتَاجُوا إِلَى الِاسْتِعَادَةِ. وَقِيلَ: اسْمَعُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ حَتَّى لَا تَرْجِعُوا تَعُودُونَ إِلَيْهِ.
أَكَّدَ عَلَيْهِمْ تَرْكَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ. وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَمِعَهَا مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ، عَلَيْكُمْ لَعْنَةُ اللَّهِ، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ يَقُولُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ: ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْيَهُودُ. وَقِيلَ:
الْمُرَادُ بِهِ الْيَهُودُ، أَيْ وَلِلْيَهُودِ الَّذِينَ تَهَاوَنُوا بِالرَّسُولِ وَسَبُّوهُ. وَلَمَّا نَهَى أَوَّلًا، وَأَمَرَ ثَانِيًا، وَأَمَرَ بِالسَّمْعِ وَحَضَّ عَلَيْهِ، إِذْ فِي ضِمْنِهِ الطَّاعَةُ، أَخَذَ يَذْكُرُ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ وَكَفَرَ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «١» .
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ: ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا لِحُلَفَائِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ: آمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَدِدْنَا لَوْ كَانَ خَيْرًا مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ فَنَتَّبِعَهُ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ: الَّذِينَ بِحَضْرَةِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالظَّاهِرُ، الْعُمُومُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ: وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَفِي الْمُشْرِكِينَ: وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، وَنَفَى بِمَا، لِأَنَّهَا لِنَفْيِ الْحَالِ، فَهُمْ مُلْتَبِسُونَ بِالْبُغْضِ وَالْكَرَاهَةِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْكُمْ. ومن، في قوله: من أَهْلِ الْكِتَابِ، تَبْعِيضِيَّةٌ، فَتَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ كَائِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَمَنْ أَثْبَتَ أَنَّ مِنْ تَكُونُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ قَالَ ذَلِكَ هُنَا، وَبِهِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَأَصْحَابُنَا لَا يُثْبِتُونَ كَوْنَهَا لِلْبَيَانِ. وَلَا الْمُشْرِكِينَ، مَعْطُوفٌ عَلَى: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ. وَرَأَيْتُ فِي كِتَابٍ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ، صَاحِبِ (التَّنْبِيهِ) ، كَلَامًا يَرُدُّ فِيهِ عَلَى الشِّيعَةِ، وَمَنْ قَالَ بِمَقَالَتِهِمْ: فِي أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ هِيَ الْمَسْحُ، لِلْعَطْفِ فِي قَوْلِهِ: وَأَرْجُلَكُمْ، عَلَى قوله:
بِرُؤُسِكُمْ، خَرَّجَ فِيهِ أَبُو إِسْحَاقَ قَوْلَهُ: وَأَرْجُلِكُمْ بِالْجَرِّ، عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْخَفْضِ عَلَى الْجِوَارِ، وَأَنَّ أَصْلَهُ النَّصْبُ فَخُفِضَ عَطْفًا عَلَى الْجِوَارِ. وَأَشَارَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ إِلَى أَنَّ الْقُرْآنَ وَلِسَانَ الْعَرَبِ يَشْهَدَانِ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَجَعَلَ مِنْهُ قَوْلَهُ: وَلَا الْمُشْرِكِينَ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ،
(١) سورة النور: ٢٤/ ٦٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute