للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَالَوَيْهِ. فَإِنْ كَانَتْ نُسَخُ الزَّمَخْشَرِيِّ مُتَّفِقَةً عَلَى قَوْلِهِ بِتَاءَيْنِ مَعَ النُّونِ فَهُوَ وَهْمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا بِتَاءٍ مَعَ النُّونِ، كَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِ ابْنِ خَالَوَيْهِ، وَكَانَ بِتَاءَيْنِ تَحْرِيفًا مِنَ النُّسَّاخِ.

وَكَذَلِكَ كَتْبُهُمْ تَتَفَطَّرْنَ وَتَتَشَمَّمْنَ بِتَاءَيْنِ. وَالظَّاهِرُ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي فَوْقِهِنَّ عَلَى السَّماواتُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَنْ أَعْلَاهُنَّ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَنْفَطِرْنَ مِنْ عُلُوِّ شَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَجِيئُهُ بَعْدَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. وَقِيلَ: مِنْ دُعَائِهِمْ لَهُ وَلَدًا، كَقَوْلِهِ: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ «١» . فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ قَالَ مِنْ فَوْقِهِنَّ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ أَعْظَمَ الْآيَاتِ وَأَدَلَّهَا عَلَى الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ فَوْقَ السموات، وهي العرش وَالْكُرْسِيُّ وَصُفُوفُ الْمَلَائِكَةِ الْمُرْتَجَّةِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ حَوْلَ الْعَرْشِ، وَمَا لَا يَعْلَمُ كُنْهَهُ إِلَّا اللَّهُ مِنْ آثَارِ مَلَكُوتِهِ الْعُظْمَى، فَلِذَلِكَ قَالَ: يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ: أَيْ يبتدىء الانفطار من جهتهن الْفَوْقَانِيَّةِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْحَوْفِيُّ، قَالَ: مِنْ فَوْقِهِنَّ، وَالْهَاءُ وَالنُّونُ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَرَضِينَ. انْتَهَى. مِنْ فَوْقِهِنَّ متعلق بيتفطرن، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذِكْرُ الْأَرْضِ قَبْلُ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَخْفَشُ: الضَّمِيرُ لِلْكُفَّارِ، وَالْمَعْنَى: مِنْ فَوْقِ الْفِرَقِ وَالْجَمَاعَاتِ الْمُلْحِدَةِ، أَيْ مِنْ أَجْلِ أَقْوَالِهَا. انْتَهَى.

فَهَذِهِ الْآيَةُ كَالَّذِي فِي سُورَةِ مَرْيَمَ، وَاسْتَبْعَدَ مَكِّيٌّ هَذَا الْقَوْلَ، قَالَ: لَا يَجُوزُ فِي الذُّكُورِ مِنْ بَنِي آدَمَ، يَعْنِي ضَمِيرَ الْمُؤَنَّثِ وَالِاسْتِشْعَارُ مَا ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ:

مِنْ فَوْقِ الْفِرَقِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَظَاهِرُ الْمَلَائِكَةِ الْعُمُومُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالتَّسْبِيحِ، قِيلَ: قَوْلُهُمْ سُبْحَانَ اللَّهَ، وَقِيلَ: يُهَلِّلُونَ وَالظَّاهِرُ فِي يَسْتَغْفِرُونَ طَلَبُ الْغُفْرَانِ، وَلِأَهْلِ الْأَرْضِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا «٢» ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقِيلَ:

عَامٌّ. وَمَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ: طَلَبُ الْهِدَايَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْمَغْفِرَةِ، كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اهْدِ أَهْلَ الْأَرْضِ، فَاغْفِرْ لَهُمْ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَصْفُهُ بِالْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةِ وَالِاسْتِفْتَاحِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقْصِدُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ: طَلَبَ الْحِلْمِ وَالْغُفْرَانِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا، إِلَى أَنْ قَالَ: إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً «٣» ، وَقَوْلِهِ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ «٤» ، وَالْمُرَادُ: الْحِلْمُ عَنْهُمْ، وَأَنْ لَا يُعَاجِلَهُمْ بِالِانْتِقَامِ فَيَكُونُ عَامًّا. انْتَهَى. وَتَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ في قَوْلِهِ: تَكادُ السَّماواتُ كَلَامًا خارجا


(١) سورة مريم: ١٩/ ٩٠.
(٢) سورة غافر: ٤٠/ ٧.
(٣) سورة فاطر: ٣٥/ ٤١.
(٤) سورة الرعد: ١٣/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>