للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ مَنَاحِي مَفْهُومَاتِ الْعَرَبِ، مُنْتَزَعًا مِنْ كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، يُوقَفُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ.

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ: أَيْ أَصْنَامًا وَأَوْثَانًا، اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ: أَيْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَمُجَازِيهِمْ عَلَيْهَا، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ: أَيْ بِمُفَوَّضٍ إِلَيْكَ أَمْرُهُمْ وَلَا قَائِمٍ. وَمَا فِي هَذَا مِنَ الْمُوَادَعَةِ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَكَذلِكَ: أَيْ وَمِثْلُ هَذَا الْإِيحَاءِ وَالْقَضَاءِ، إِنَّكَ لَسْتَ بِوَكِيلٍ عَلَيْهِمْ، أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا. والظاهر أن قُرْآناً مَفْعُولُ أَوْحَيْنا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْكَافُ مَفْعُولٌ بِهِ، أَيْ أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْكَ، وَهُوَ قُرْآنٌ عَرَبِيٌّ لَا لَبْسَ فِيهِ عَلَيْكَ، إِذْ نَزَلَ بِلِسَانِكَ. انْتَهَى. فَاسْتَعْمَلَ الْكَافَ اسْمًا فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَخْفَشِ. لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى: مَكَّةَ، أَيْ أَهْلَ أُمِّ الْقُرَى، وَكَذَلِكَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ، وَالثَّانِي هُوَ: يَوْمَ الْجَمْعِ: أَيِ اجْتِمَاعِ الْخَلَائِقِ، وَالْمُنْذَرُ بِهِ هُوَ مَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْجَمْعِ مِنَ الْجَزَاءِ وَانْقِسَامِ الْجَمْعِ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ، أَوِ اجْتِمَاعِ الْأَرْوَاحِ بِالْأَجْسَادِ، أَوْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِأَهْلِ السَّمَاءِ، أَوِ النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ، أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ. لِيُنْذِرَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ، أَيْ لِيُنْذِرَ الْقُرْآنُ. لَا رَيْبَ فِيهِ: أَيْ لَا شَكَّ فِي وُقُوعِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا رَيْبَ فِيهِ:

اعْتِرَاضٌ لَا مَحَالَةَ. انْتَهَى. وَلَا يَظْهَرُ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ، أَعْنِي صِنَاعِيًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَيْنَ طَالِبٍ وَمَطْلُوبٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَرِيقٌ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا، أَيْ هُمْ فَرِيقٌ أَوْ مِنْهُمْ فَرِيقٌ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ بِنَصْبِهِمَا، أَيِ افْتَرَقُوا، فَرِيقًا فِي كَذَا، وَفَرِيقًا فِي كَذَا وَيَدُلُّ عَلَى الِافْتِرَاقِ: الِاجْتِمَاعُ الْمَفْهُومُ مِنْ يَوْمِ الْجَمْعِ.

وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً: يَعْنِي مِنْ إِيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ، قَالَ مَعْنَاهُ الضَّحَّاكُ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ. كَمَا كَانَ يُقَاسِيهِ مَنْ كُفْرِ قَوْمِهِ، وَتَوْقِيفٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَشِيئَتِهِ، وَلَكِنَّ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ أَدْخَلَهُ فِي رَحْمَتِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً: أَيْ مُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ عَلَى الْقَسْرِ وَالْإِكْرَاهِ، كَقَوْلِهِ: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها «١» ، وَقَوْلِهِ: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً «٢» . وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْإِيحَاءُ إِلَى الْإِيمَانِ قَوْلُهُ: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ «٣» ، وَذَكَرَ مَا ظَنَّهُ اسْتِدْلَالًا عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِزَالِ. وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فِي رَحْمَتِهِ: فِي دِينِ الْإِسْلَامِ. أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، أم بمعنى بل،


(١) سورة السجدة: ٣٢/ ١٣.
(٢) سورة يونس: ١٠/ ٩٩.
(٣) سورة يونس: ١٠/ ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>