للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِهِمْ مُبْتَدَأً، وَيَرْفَعُونَ مَا بَعْدَهُ عَلَى الْخَبَرِ. وَقَالَ أبو زيد: سمعتهم يقرأون: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ وَأَعْظَمُ أَجْرًا «١» يَعْنِي: بِرَفْعِ خَيْرٌ وَأَعْظَمُ. وَقَالَ قيس بن دريج:

نَحِنُّ إِلَى لَيْلَى وَأَنْتَ تركنها ... وَكُنْتَ عَلَيْهَا بِالْمَلَا أَنْتَ أَقْدَرُ

قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّ رُؤْبَةَ كَانَ يَقُولُ: أَظُنُّ زَيْدًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، يعني بالرفع. وَنادَوْا يا مالِكُ: تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ مُبْلِسُونَ، أَيْ سَاكِتُونَ، وَهَذِهِ أَحْوَالٌ لَهُمْ فِي أَزْمَانٍ مُتَطَاوِلَةٍ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ سُكُوتِهِمْ وَنِدَائِهِمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَا مَالِكُ.

وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعَلَى، وَابْنُ وَثَّابٍ، وَالْأَعْمَشُ: يَا مَالِ، بِالتَّرْخِيمِ

، عَلَى لُغَةِ مَنْ يَنْتَظِرُ الْحَرْفَ. وَقَرَأَ أَبُو السِّرَارِ الْغَنَوِيُّ:

يَا مَالُ، بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ، جُعِلَ اسْمًا عَلَى حِيَالِهِ. وَاللَّامُ فِي: لِيَقْضِ لَامُ الطَّلَبِ وَالرَّغْبَةِ. وَالْمَعْنَى: يُمِتْنَا مَرَّةً حَتَّى لَا يَتَكَرَّرَ عَذَابُنَا، كَقَوْلِهِ: فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ «٢» ، أَيْ أَمَاتَهُ. قالَ: أي ما لك، إِنَّكُمْ ماكِثُونَ: أَيْ مُقِيمُونَ فِي النَّارِ لَا تَبْرَحُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُجِيبُهُمْ بَعْدَ مُضِيِّ أَلْفِ سَنَةٍ، وَقَالَ نَوْفٌ: بَعْدَ مِائَةٍ، وَقِيلَ:

ثَمَانِينَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: أَرْبَعِينَ. لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ: يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا يَقُولُ أَحَدُ خَدَمِ الرَّئِيسِ: أَعْلَمْنَاكُمْ وَفَعَلْنَا بِكُمْ. قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَقَدْ جِئْناكُمْ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ لِقُرَيْشٍ بِعَقِبِ حِكَايَةِ أَمْرِ الْكُفَّارِ مَعَ مَالِكٍ، وَفِي هَذَا تَوَعُّدٌ وَتَخْوِيفٌ بِمَعْنَى: انْظُرُوا كَيْفَ يَكُونُ حَالُكُمْ. أَمْ أَبْرَمُوا:

وَالضَّمِيرُ لِقُرَيْشٍ، أَيْ بَلْ أَحْكَمُوا أَمْرًا مِنْ كَيْدِهِمْ لِلرَّسُولِ وَمَكْرِهِمْ، فَإِنَّا مُبْرِمُونَ كَيْدَنَا، كَمَا أَبْرَمُوا كَيْدَهُمْ، كَقَوْلِهِ: أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ «٣» ، وَكَانُوا يَتَنَاجَوْنَ وَيَتَسَارَعُونَ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ، فَقَالَ تَعَالَى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ، وَهُوَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ الرَّجُلُ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي مَكَانٍ خَالٍ. وَنَجْواهُمْ: وَهِيَ مَا تَكَلَّمُوا بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ. بَلى: أَيْ نَسْمَعُهَا، رُسُلُنا، وَهُمُ الْحَفَظَةُ.

قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ، كَمَا تَقُولُونَ، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَعْبُدُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَأَخَذَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَحَسَّنَهُ بِفَصَاحَتِهِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، وَصَحَّ ذَلِكَ وَثَبَتَ بِبُرْهَانٍ صَحِيحٍ يُورِدُونَهُ، وَحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ يَبْذُلُونَهَا، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُعَظِّمُ ذَلِكَ الْوَلَدَ، وَأَسْبَقُكُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَالِانْقِيَادِ لَهُ، كَمَا يُعَظِّمُ الرَّجُلُ ولد الملك لعظم


(١) سورة المزمل: ٧٣/ ٢٠، والصحيح: «تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خيرا وأعظم أجرا» .
(٢) سورة القصص: ٢٨/ ١٥.
(٣) سورة الطور: ٥٢/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>