للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِيهِ. وَهَذَا كَلَامٌ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّمْثِيلِ لِغَرَضٍ، وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ وَالْإِطْنَابِ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ النَّاطِقُ بِهِ شُبْهَةً إِلَّا مُضْمَحِلَّةً مَعَ التَّرْجَمَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِثَبَاتِ الْقَدَمِ فِي بَابِ التَّوْحِيدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِبَادَةَ بِكَيْنُونَةِ الْوَلَدِ، وَهِيَ مُحَالٌ فِي نَفْسِهَا، فَكَانَ الْمُعَلَّقُ بِهَا مُحَالًا مِثْلَهَا. فَهُوَ فِي صُورَةِ إِثْبَاتِ الْكَيْنُونَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَفِي مَعْنَى نَفْيِهَا عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ وَأَقْوَاهَا. ثُمَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ الْعَدْلِيُّ لِلْمُجْبِرِ. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ التَّأْدِيبَ، بَلِ السَّيْفَ، نَزَّهْتُ كِتَابِي عَنْ ذِكْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ تَمَحَّلَ النَّاسُ بِمَا أَخْرَجُوهُ بِهِ مِنْ هَذَا الْأُسْلُوبِ الشَّرِيفِ الْمَلِيءِ بِالنُّكَتِ وَالْفَوَائِدِ الْمُسْتَقِلَّةِ بِالتَّوْحِيدِ عَلَى أَبْلَغِ وُجُوهِهِ، فَقِيلَ:

إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، فِي زَعْمِكُمْ، فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ، الْمُوَحِّدِينَ لِلَّهِ، الْمُكَذِّبِينَ قَوْلَهُمْ بِإِضَافَةِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، فَأَنَا أَوَّلُ الْآنِفِينَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ عَبْدٍ يُعْبَدُ، إِذَا اشْتَدَّ أَنْفُهُ فَهُوَ عَبْدٌ وَعَابِدٌ. وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: عَبِدِينَ، وَقِيلَ: هِيَ إِنِ النَّافِيَةُ، أَيْ مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَعَبَدَ وَوَحَّدَ.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّضْرَ بْنَ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ قَالَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، فَنَزَلَتْ، فَقَالَ النَّضْرُ: أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ صَدَّقَنِي؟ فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: مَا صَدَّقَكَ، وَلَكِنْ قَالَ: مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، فَأَنَا أَوَّلُ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ لَا وَلَدَ لَهُ. انْتَهَى. أَمَّا الْقَوْلُ: إِنْ كَانَ لِلَّهِ وَلَدٌ فِي زَعْمِكُمْ، فَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَأَمَّا الْقَوْلُ: فَأَنَا أَوَّلُ الْآنِفِينَ، فَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ، حَكَاهُ عَنْهُمْ أَبُو حَاتِمٍ وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ السُّلَمِيِّ وَالْيَمَانِيِّ: الْعَبِدِينَ، وَقِرَاءَةٌ ذَكَرَهَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ الْعَيْنِ: الْعَبْدِينَ، بِإِسْكَانِ الْبَاءِ، تَخْفِيفُ الْعَبْدِينَ بِكَسْرِهَا. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْلَّوَامِحِ أَنَّهُ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْنَى الْعَابِدِينَ: أَنَّهُ الْآنِفِينَ.

انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُقَالُ: عَبَدَ يَعْبُدُ فَهُوَ عَبْدٌ، وَقَلَّمَا يُقَالُ: عَابِدٌ. وَالْقُرْآنُ لَا يَأْتِي بِالْقَلِيلِ مِنَ اللُّغَةِ وَلَا الشَّاذَّ، ثُمَّ قَالَ: كَقَوْلِ مُجَاهِدٍ. وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:

أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ ... وَأَعْبُدُ أَنْ أَهْجُوَ كُلَيْبًا بِدَارِمِي

أَيْ: آنَفُ وَأَسْتَنْكِفُ. وَقَالَ آخَرُ:

متى ما يشا ذُو الْوُدِّ يَصْرِمُ خَلِيلَهُ ... وَيَعْبُدُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ ظَالِمًا

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ إِنْ نَافِيَةٌ، فَمَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَالسُّدِّيِّ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَزُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ مَكِّيٌّ: لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِنْ بِمَعْنَى مَا النَّافِيَةِ، لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّكَ إِنَّمَا نَفَيْتَ عَنِ اللَّهِ الْوَلَدَ فِيمَا مَضَى دُونَ مَا هُوَ آتٍ، وَهَذَا مُحَالٌ. انْتَهَى. وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>