مُحَالٌ، لِأَنَّ كَانَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَدُومُ وَلَا يَزُولُ، كَقَوْلِكَ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «١» ، أَيْ لَمْ يَزَلْ، فَالْمَعْنَى: مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الْعَبِدُ، بِكَسْرِ الْبَاءِ: الشَّدِيدُ الْغَضَبِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ أَوَّلُ الْجَاحِدِينَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عَبَدَنِي حَقِّي، أَيْ جَحَدَنِي. وَقَرَأَ وَلَدٌ بِفَتْحَتَيْنِ. عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ وَثَّابٍ، وَطَلْحَةُ، وَالْأَعْمَشُ: بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ.
ثُمَّ قَالَ: سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ: أَيْ مِنْ نِسْبَةِ الْوَلَدِ إِلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: إِزَالَةُ الْعِلْمِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ الْوُجُودِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ فَرْدٌ مُطْلَقٌ لا يقبل التجزي. وَالْوَلَدُ عِبَارَةٌ عَنْ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنِ الشَّيْءِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، فَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ شَخْصٌ مِثْلُهُ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا فِيمَا هُوَ قَابِلٌ ذاته للتجزي، وَهَذَا مُحَالٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، فَامْتَنَعَ إِثْبَاتُ الْوَلَدِ. وَلَمَّا ذُكِرَ هَذَا الْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ قَالَ: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا، أَيْ فِي بَاطِلِهِمْ، وَيَلْعَبُوا، أَيْ فِي دُنْيَاهُمْ. وَظَاهِرُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مُهَادَنَةٌ وَتَرْكٌ، وَذَلِكَ مِمَّا نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: حَتَّى يُلاقُوا، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ عَقِيلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: يَلْقَوْا، مُضَارِعُ لَقِيَ. يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ: يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَضَافَ الْيَوْمَ إِلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ هَلَاكُهُمْ وَعَذَابُهُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
إِلَهٌ فِيهِمَا. وَقَرَأَ عُمَرُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَأُبَيٌّ،
وَعَلِيٌّ، وَالْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَالِي، وَبِلَالُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، وَابْنُ يَعْمَرَ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو الشَّيْخِ الْهُنَائِيُّ، وَحُمَيْدٌ، وَابْنُ مِقْسَمٍ، وَابْنُ السَّمَيْفَعِ: اللَّهُ فِيهِمَا.
وَمَعْنَى إِلَهٍ: مَعْبُودٌ بِهِ، يَتَعَلَّقُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ هُوَ مَعْبُودٌ فِي السَّمَاءِ وَمَعْبُودٌ فِي الْأَرْضِ، وَالْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُولِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: هُوَ إِلَهٌ، كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِمْ: مَا أَنَا بِالَّذِي قَائِلٌ لَكَ شَيْئًا، وَحَسَّنَهُ طُولُهُ بِالْعَطْفِ عَلَيْهِ، كَمَا حَسَّنَ فِي قَائِلٌ لَكَ شَيْئًا طُولُهُ بِالْمُعَوَّلِ. وَمَنْ قَرَأَ: اللَّهُ، ضَمَّنَهُ أَيْضًا مَعْنَى الْمَعْبُودِ، كَمَا ضُمِّنَ الْعَلَمُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ: هُوَ حاتم في طيىء، أي جواد في طيىء.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصِّلَةُ الجار والمجرور. والمعنى: أنه فِيهِمَا بِالْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ، إِذْ يَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِقْرَارِ. وَفِي قَوْلِهِ: وَفِي الْأَرْضِ، نَفْيٌ لِآلِهَتِهِمُ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ.
وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ: أَيْ عِلْمُ تَعْيِينِ وَقْتِ قِيَامِهَا، وَهُوَ الَّذِي اسْتَأْثَرَ بِهِ تَعَالَى. وقرأ الجمهور: يرجعون، بياء الْغَيْبَةِ وَنَافِعٌ، وَعَاصِمٌ، وَالْعَدَنِيَّانِ: بِتَاءِ الْخِطَابِ، وَهُوَ فِي كلتا
(١) سورة النساء: ٤/ ٩٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute