للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُضَارِعَ أَمْلَى، أَيْ وَأَنَا أَنْظِرُهُمْ، كَقَوْلِهِ: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ «١» ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا سَكَنَتْ مِنْهُ الْيَاءُ، كَمَا تَقُولُ فِي يَعِي بِسُكُونِ الْيَاءِ.

ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ. وَرُوِيَ أَنْ قَوْمًا مِنَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ كَانُوا يُعِينُونَ الْمُنَافِقِينَ فِي أَمْرِ الرَّسُولِ، وَالْخِلَافِ عَلَيْهِ بِنَصْرِهِ وَمُؤَازَرَتِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي قَالُوا لِلْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ: هُمْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَبَعْضُ الْأَمْرِ: قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ لَهُمْ: لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ «٢» ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: بَعْضُ الْأَمْرِ: التَّكْذِيبُ بِالرَّسُولِ، أَوْ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ تَرْكُ الْقِتَالِ مَعَهُ.

وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ الْفَرِيقَيْنِ، الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، لِلْمُشْرِكِينَ: سَنُطِيعُكُمْ فِي التَّكَافُؤِ عَلَى عَدَاوَةِ الرَّسُولِ وَالْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ مَعَهُ، وَتَعَيَّنَ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ فِي بَعْضِ مَا يَأْسِرُونَ بِهِ، أَوْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ الَّذِي يُهِمُّكُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَسْرَارَهُمْ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَكَانَتْ أَسْرَارُهُمْ كَثِيرَةً.

وَابْنُ وَثَّابٍ، وَطَلْحَةُ، وَالْأَعْمَشُ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ: بِكَسْرِهَا: وَهُوَ مَصْدَرٌ قَالُوا ذَلِكَ سِرًّا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَفْشَاهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ:

وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ، مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْعِلْمِ بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُعَانِدِينَ مُكَابِرِينَ، وَكَانُوا يَعْرِفُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ. انْتَهَى.

فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ: تَقَدَّمَ شَرْحُ: الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، وَمَبْلَغُهُمْ لِأَجْلِ الْقِتَالِ. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُرْتَدِّينَ، وَمَا يَلْحَقُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ جَزَائِهِمْ عَلَى طَوَاعِيَةِ الْكَاذِبِينَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَتَقَدَّمَ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ فَجَاءَ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي معناه التوقيت عَقِبَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. فَقَالَ الطَّبَرِيُّ: فَكَيْفَ عِلْمُهُ بِهَا، أَيْ بِإِسْرَارِهِمْ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ؟

وَقِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمْ مَعَ اللَّهِ فِيمَا ارْتَكَبُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ؟ وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: تَوَفَّاهُمْ، بِأَلِفٍ بَدَلَ التَّاءِ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا وَمُضَارِعًا حُذِفَتْ مِنْهُ التَّاءُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَقْتَ التَّوَفِّي هُوَ عِنْدَ الْمَوْتَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُتَوَفَّى أَحَدٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِلَّا تَضْرِبُ الْمَلَائِكَةُ فِي وَجْهِهِ وَفِي دُبُرِهِ. وَالْمَلَائِكَةُ: مَلَكُ الْمَوْتِ وَالْمَصْرُفُونَ مَعَهُ. وَقِيلَ: هُوَ وَقْتُ الْقِتَالِ نُصْرَةً لِلرَّسُولِ يَضْرِبُ وُجُوهَهُمْ أَنْ يَثْبُتُوا وَأَدْبَارَهُمْ: انهزموا. والملائكة ملائكة النَّصْرُ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ يَضْرِبُونَ حَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ: حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي تَوَفَّاهُمْ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

ذلِكَ: أَيْ ذَلِكَ الضَّرْبُ لِلْوُجُوهِ وَالْأَدْبَارِ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ: وَهُوَ الْكُفْرُ، أو


(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٧٨.
(٢) سورة الحشر: ٥٩/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>