يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ: جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَإِذَا أَعْجَبَ الزُّرَّاعَ، فَهُوَ أَحْرَى أَنْ يُعْجِبَ غَيْرَهُمْ لِأَنَّهُ لَا عَيْبَ فِيهِ، إِذْ قَدْ أَعْجَبَ الْعَارِفِينَ بِعُيُوبِ الزَّرْعِ، وَلَوْ كَانَ مَعِيبًا لَمْ يُعْجِبْهُمْ، وَهُنَا تَمَّ الْمَثَلُ. ولِيَغِيظَ: مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ قَبْلَهُ تَقْدِيرُهُ:
جَعَلَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ تَعْلِيلٌ لِمَاذَا؟ قُلْتُ: لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَشْبِيهُهُمْ بِالزَّرْعِ مِنْ نَمَائِهِمْ وَتَرَقِّيهِمْ فِي الزِّيَادَةِ وَالْقُوَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَلَّلَ بِهِ. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا: لِأَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا سَمِعُوا بِمَا أُعِدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مَعَ مَا يُعِزُّهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا غَاظَهُمْ ذَلِكَ. وَمَعْنَى: مِنْهُمْ: لِلْبَيَانِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ «١» . وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَوْلُهُ مِنْهُمْ، لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَلَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ، لِأَنَّهُ وَعْدُ مَدْحِ الْجَمِيعِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: مِنْهُمْ يَعْنِي: مِنَ الشَّطْءِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الزَّرْعُ، وَهُمُ الدَّاخِلُونَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الزَّرْعِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى مَعْنَى الشَّطْءِ لَا عَلَى لَفْظِهِ. وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ: الْجَنَّةُ. وَذُكِرَ عِنْدَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رَجُلٌ يَنْتَقِصُ الصَّحَابَةَ، فَقَرَأَ مَالِكٌ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: مَنْ أَصْبَحَ بَيْنَ النَّاسِ فِي قَلْبِهِ غَيْظٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ أَصَابَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ، والله الموفق.
(١) سورة الحج: ٢٢/ ٣٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute