التَّوْرَاةَ وَنُبُوَّةَ مُوسَى. فَتَكُونُ حِكَايَةَ حَالٍ، وَأَلْ لِلْعَهْدِ، أَوِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ رَجُلَانِ: رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُ نَافِعُ بْنُ حَرْمَلَةَ، قَالَ لِنَصَارَى نَجْرَانَ: لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ لِلْيَهُودِ: لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، فَيَكُونُ قَدْ نُسِبَ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ، حَيْثُ وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ، كَمَا يُقَالُ: قَتَلَ بَنُو تَمِيمٍ فُلَانًا، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ، وَنِسْبَةِ الْحُكْمِ الصَّادِرِ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى الْجَمْعِ. وَهُوَ طَرِيقٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي كَلَامِهَا، نَثْرِهَا وَنَظْمِهَا. وَلَمَّا جَمَعَهُمْ فِي الْمَقَالَةِ الْأُولَى، وَهِيَ: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى، فَصَلَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَبَيَّنَ قَوْلَ كُلِّ فَرِيقٍ فِي الْآخَرِ. وَعَلَى شَيْءٍ: فِي مَوْضِعِ خَبَرِ لَيْسَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: عَلَى شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الدِّينِ، فَيَكُونَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الصِّفَةِ، نَظِيرُ قَوْلِهِ:
لَقَدْ وَقَعْتُ عَلَى لَحْمٍ أَيْ لَحْمٍ مَنِيعٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، أَيْ مِنْ أَهْلِكَ النَّاجِينَ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ، أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ نَفْيًا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ الْعَظِيمَةِ، إِذْ جَعَلَ مَا هُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا كَلَا شَيْءٍ. هَذَا وَالشَّيْءُ يُطْلَقُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ عَلَى الْمَعْدُومِ وَالْمُسْتَحِيلِ، فَإِذَا نُفِيَ إِطْلَاقُ اسْمِ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، كَانَ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ، وَصَارَ كَقَوْلِهِمْ أَقَلُّ مِنْ لَا شَيْءٍ.
وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، أَيْ وَهُمْ عَالِمُونَ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ، تَالُونَ لَهُ.
وَهَذَا نَعْيٌ عَلَيْهِمْ فِي مَقَالَتِهِمْ تِلْكَ، إِذِ الْكِتَابُ نَاطِقٌ بِخِلَافِ مَا يَقُولُونَهُ، شَاهِدَةٌ تَوْرَاتُهُمْ بِبِشَارَةِ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَصِحَّةُ نُبُوَّتِهِمَا. وَإِنْجِيلُهُمْ شَاهِدٌ بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، إِذْ كُتُبُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فِي أَنَّ مَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْقُرْآنِ، يَكُونُ وَاقِفًا عِنْدَهُ، عَامِلًا بِمَا فِيهِ، قَائِلًا بِمَا تَضَمَّنَهُ، لَا أَنْ يُخَالِفَ قَوْلَهُ مَا هُوَ شَاهِدٌ عَلَى مُخَالَفَتِهِ مِنْهُ، فَيَكُونَ فِي ذَلِكَ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَالْكِتَابُ هُنَا قِيلَ: هُوَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ. وَقِيلَ: التَّوْرَاةُ، لِأَنَّ النَّصَارَى تمتثلها.
كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ: هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: مُشْرِكُو قُرَيْشٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمْ أُمَمٌ كَانُوا قَبْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ الْيَهُودُ، وَكَأَنَّهُ أُعِيدَ قَوْلُهُمْ: أَيْ قَالَ الْيَهُودُ مِثْلَ قَوْلِ النَّصَارَى، وَنُفِيَ عَنْهُمُ الْعِلْمُ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ فَجُعِلُوا لَا يَعْلَمُونَ. وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute