مِثْلَ ذَلِكَ الَّذِي سَمِعْتَ عَلَى ذَلِكَ الْمِنْهَاجِ. قَالَ: الْجَهَلَةُ الَّذِينَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ وَلَا كِتَابَ، كَعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، وَالْمُعَطِّلَةِ وَنَحْوِهِمْ قَالُوا: لِكُلِّ أَهْلِ دِينٍ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ تَوْبِيخٌ عَظِيمٌ لَهُمْ، حَيْثُ نَظَمُوا أَنْفُسَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ فِي سِلْكِ مَنْ لَا يَعْلَمُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَافَ مِنْ كَذَلِكَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، إِمَّا عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: قَوْلًا مثل ذلك القول، قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمَصْدَرِ الْمَعْرِفَةِ الْمُضْمَرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَالَ، التَّقْدِيرُ: مِثْلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ قَالَهُ، أَيْ قَالَ الْقَوْلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ سِيبَوَيْهِ. وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ تَنْتَصِبُ الْكَافُ بِقَالَ، وَانْتَصَبَ عَلَى هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ الْكَافِ. وَقِيلَ: يَنْتَصِبُ مِثْلَ قَوْلِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِيَعْلَمُونَ، أَيِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ مَقَالَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَالُوا: مِثْلَ مَقَالَتِهِمْ، أَيْ تَوَافَقَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مَقَالَاتِ النَّصَارَى، وَالْيَهُودِ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي ذَلِكَ، أَنَّ مَنْ جَهِلَ قَوْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَافَقَهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقَوْلِ. وَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرٌ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مِثْلَ ذَلِكَ قَالَهُ الَّذِينَ. وَلَا يَجُوزُ لِقَالَ أَنْ يَنْصِبَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ نَصْبَ الْمَفْعُولِ، لِأَنَّ قَالَ قَدْ أَخَذَ مَفْعُولَهُ، وَهُوَ الضَّمِيرُ الْمَحْذُوفُ الْعَائِدُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، فَيَنْتَصِبُ إِذْ ذَاكَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِيَعْلَمُونِ، أَيْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى. قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ اعْتِقَادَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. انْتَهَى مَا قَالُوهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِاسْتِعْمَالِ الْكَافِ اسْمًا، وَذَلِكَ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، مع أنه قد تؤوّل مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ وَأَجَازَ ذَلِكَ، أَعْنِي أَنْ تكون اسما في الكلام، وَيُحْذَفَ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ الْمَنْصُوبِ بِالْفِعْلِ، الَّذِي لَوْ قُدِّرَ خُلُوُّهُ مِنْ ذَلِكَ الضَّمِيرِ لَتَسَلَّطَ عَلَى الظَّاهِرِ قَبْلَهُ فَنَصَبَهُ، وَذَلِكَ نَحْوُ: زَيْدٌ ضَرَبْتُهُ. نَصُّ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ، وَأَنْشَدُوا:
وَخَالِدٌ يَحْمَدُ سَادَاتِنَا ... بِالْحَقِّ لَا يَحْمَدُ بِالْبَاطِلِ
أَيْ: يَحْمَدُهُ سَادَاتُنَا. وَعَنْ بَعْضِ الْكُوفِيِّينَ فِي جَوَازِ حَذْفِ نَحْوِ: هَذَا الضَّمِيرِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي النَّحْوِ.
فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ: أَيْ يَفْصِلُ، وَالْفَصْلُ:
الْحُكْمُ، أَوْ يُرِيهِمْ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عِيَانًا، وَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ عِيَانًا، قَالَهُ الزَّجَّاجُ، أَوْ يُكَذِّبُهُمْ جَمِيعًا وَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ، أَوْ يُثِيبُ مَنْ كَانَ عَلَى حَقٍّ، وَيُعَذِّبُ مَنْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ. وَكُلُّهَا أَقْوَالٌ مُتَقَارِبَةٌ. وَالظَّرْفَانِ والجار الأول معمولان ليحكم، وَفِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَخْتَلِفُونَ.
وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الشَّرِيفَةُ أَشْيَاءَ مِنْهَا: افْتِتَاحُهَا بِحُسْنِ النِّدَاءِ، وَإِثْبَاتُ وَصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute